الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              2- في التداخل التاريخي الكلامي:

              لا يصل مستوى التداخل المعرفي بين علم الكلام والتاريخ إلى ذلك التقاطع المعرفي والمنهجي الكبير الذي حصل بين علمي الأصول والكلام، وذلك لأسباب عدة منها:

              - أن البداية المحتشمة لعلم التاريخ وغير المنضبطة، إلى أن استوت سفينتها على شاطئ الفكر الخلدوني خصوصا مع كتابه المقدمة، أجلت من ذلك التداخل والتكامل المعرفيين وإن بدت بوادرهما من قبل بعض المحاولات التاريخية غير المباشرة مع الطبري والمسعودي، وغيرهما.

              - أن علم الكلام علم مقصود ومطلوب من حيث ارتباطه المباشر مع التمثل التعبدي في حياة الإنسان، عكس علم أصول التاريخ الذي لا يحوز نفس الدرجة، لذلك فإن أوجه التداخل يصعب إدراكها ورسم معالمها.

              وعلى الرغم من ذلك فلا يعدم البحث الوقوف والعثور على بعض الروابط المعرفية أو المنهجية بينهما، فالدراسات الكلامية لا يسعفها النظر في المباحث المختصة دون التحقيق في المراحل التاريخية التي مر بـها علم الكلام، كما أن ذلك من شأنه الإسهام في فقه الأسس العلمية الفاعلة في تاريخ الفكر العقدي، يقول ابن خلدون: "وإذا تأملت حال هذا الفن في حدوثه وكيف تدرج كلام الناس فيه صدرا بعد صدر وكلهم يفرض العقائد صحيحة ويستنهض الحجج والأدلة عـلمت حينئذ ما قررناه لك في موضوع الفن وأنه لا يعدوه" [1] . أي ظروف نشأته وتطوره كما حددها من قبل. [ ص: 61 ]

              بل إن التحقيق التاريخي لعلم الكلام سيكشف عن أسباب ظهور المذاهب الكلامية، وعوامل تطورها وانتشارها، يقول ابن خلدون: "فلنقدم هنا لطيفة في برهان عقلي يكشف لنا عن التوحيد على أقرب الطرق والمآخذ، ثم نرجع إلى تحقيق علمه وفيما ينظر ويشير إلى حدوثه في الملة، وما دعا إلى وضعه" [2] ، ولعل الكتابات الخلدونية في هذا المجال خير مثال على ذلك، فحينما يتحدث ابن خلدون عن تاريخ علم الكلام في إحدى فصول "المقدمة" سيتكشف للقارئ ذلك الربط التاريخي والتسلسل الزمني للكتابة الكلامية وتطورها وكذا نشأة مذاهبها وتطورها [3] .

              وتبدو وثاقة العلاقة بين علمي الكلام وأصول التاريخ في التفسير العقدي للأحداث والتطورات التاريخية المشروطة بالرؤية والتصور الخلدوني، حيث نلمس حضور البعد المذهبي في علم العقيدة بين ثنايا الكتابات الخلدونية؛ لأنه كما وقع التصنيف في علم أصول الفقه على اعتقاد المصنف فلا شيء يمنـع وقـوعه ووروده بنفس الأثر عـلى الكتابة التاريخية، وهذا ما يظهر على المقدمة أيضا.

              كما أن النبش التاريخي في قضايا علم الكلام سيكشف لا محالة عن بعض المسائل الخاضعة لتطورها؛ كقضية الإمامة مثلا التي يطلعنا ابن خلدون كيف ارتبط تاريخها بهذا العلم رغم أنها لم تكن جزءا منه حين نشأته، يقول: "وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية اجتماعية ولا تلحق بالعقائد، فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن، وسموا مجموعه علم الكلام" [4] . [ ص: 62 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية