الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - في التداخل المعرفي:

              1- في التداخل الأصولي الكلامي: /14

              إن التداخل المعرفي الذي حصل بين المعرفتين الأصولية الكلامية، منذ البدايات الأولى لعلم أصول الفقه، كان له واضح الأثر على منهجيات الدرس الأصولي التي تفرعت وتشعبت فيما بعد، إن على مستوى الرؤية الحاكمة في الموضوع؛ ومثال ذلك إشكال التعليل، أو على مستوى الاستدلال على المسائل الأصولية؛ كإشكال الاستقراء، تبعا للأدوات العلمية المستثمرة.

              وعليه، لا يمكن للنظر الأصولي عند الإمام الشاطبي أن يخرج عن هذا الثابت التاريخي في الممارسة الأصولية، خصوصا إذا استصحبنا في أذهاننا تلك المواقف التصحيحية، والمراجعات العلمية لأساليب الدراسة والتحليل، التي تزخر بها تصانيفه لمناهج النظر لدى بعض الأصوليين، الذين ترجموا لمرجعياتهم المستند إليها في مدوناتهم الأصولية ومباحثهم العلمية، والتي أثرت بكل قوة على بعض الآراء العلمية إلى حدود ترجيح حضورها على صحيح النظر المعتبر في عدد من المباحث.

              وهذا الأمر ليس غريبا، ما دام قد تم التنبيه عليه مند أمد بعيد من تاريخ علم الأصول، فهذا علاء الدين الحنفي يقول: "اعلم أن أصول الفقه فرع لأصول الدين، فكان من الضرورة أن يقع التصنيف فيه على اعتقاد مصنف الكتاب" [1] . [ ص: 59 ]

              ولا شك أن هذا التباين في المرجعيات العقدية يستلزم ضرورة تباينا في المواقف النظرية من حيث اختبار الخطأ والصواب فيها، وهذا أمر في غاية الأهمية والخطورة بالنسبة لمسائل أصول العقيدة، خصوصا إذا انتقل الأمر إلى قضايا أخرى متفرعة عن العقيدة كمسائل أصول الفقه والفقه؛ لأن الخلاف الفقهي الناشئ عن الخلاف في اعتبار الأصول لا يقل أثرا عن الخلاف الأصولي العائد إلى الخلاف الكلامي.

              كما أن دواعي النظر الكلامي المرتبطة بالعمل على حفظ الخطاب الشرعي، في جانبه العقدي، والذي ستتفرع عنه أحكام عقدية جازمة وقاطعة، لا تساهل فيها مع مخالفها، هذه الدواعي ستنتقل إلى أساليب البحث ومناهجه في علم الأصول، مما ستخدم الخلاف والنـزاع بين الأصوليين، وهذا ما ألمح إليه الشاطبي حين قال: "إن المخـالف في أصـل من أصول الشريعة العملية، لا يقصر عن الخـلاف في أصـل من الأصـول الاعتقـادية في هـدم القواعد الشرعية" [2] .

              وهذا في اعتقادي، كان من أهم الأسباب الباعثة على ضرورة الفصل بين المباحث ذات البعد الكلامي عن المباحث الأصولية المختصة، بالنظر إلى الاختلاف العلمي بينهما، من جانب المقاصد والأساليب والموضوع والنتائج المترتبة عن ذلك. [ ص: 60 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية