الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (13) وقوله: يوم يقول : بدل من "يوم ترى" أو معمول لـ "اذكر". وقال ابن عطية: "ويظهر لي أن العامل فيه ذلك هو الفوز العظيم ويجيء معنى الفوز أفخم، كأنه يقول: إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا; لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم. قال الشيخ : "وظاهر كلامه وتقديره: أن "يوم" معمول للفوز. وهو لا يجوز، لأنه مصدر قد وصف [ ص: 243 ] قبل أخذ متعلقاته فلا يجوز إعماله، فلو أعمل وصفه لجاز، أي: الذي عظم قدره يوم". قلت: وهذا الذي قاله ابن عطية صرح به مكي فقال: "ويوم ظرف العامل فيه ذلك الفوز، أو هو بدل من "اليوم" الأول".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: خالدين نصب على الحال العامل فيها المضاف المحذوف إذ التقدير: بشراكم دخولكم جنات خالدين فيها، فحذف الفاعل وهو ضمير المخاطب، وأضيف المصدر لمفعوله فصار: دخول جنات، ثم حذف المضاف وقام المضاف إليه مقامه في الإعراب، ولا يجوز أن يكون "بشراكم" هو العامل فيها; لأنه مصدر قد أخبر عنه قبل ذكر متعلقاته، فيلزم الفصل بأجنبي. وظاهر كلام مكي أنه عامل في الحال فإنه قال:" "خالدين" نصب على الحال من الكاف والميم"، والعامل في الحال هو العامل في صاحبها فلزم أن يكون "بشراكم" هو العامل، وفيه ما تقدم من الفصل بين المصدر ومعموله.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: للذين آمنوا اللام للتبليغ. و "انظرونا" قراءة العامة "انظرونا" أمرا من النظر. وحمزة "أنظرونا" بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار بمعنى الانتظار، أي: انتظرونا لنلحق بكم فنستضيء بنوركم. والقراءة الأولى يجوز أن تكون بمعنى هذه إذ يقال: نظره بمعنى انتظره، وذلك أنه يسرع بالخلص إلى الجنة على نجب، فيقول المنافقون: [ ص: 244 ] انتظرونا لأنا مشاة لا نستطيع لحوقكم. ويجوز أن يكون من النظر وهو الإبصار لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيضيء لهم المكان، وهذا أليق بقوله: نقتبس من نوركم قال معناه الزمخشري . إلا أن الشيخ قال: إن النظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا في الشعر، إنما يتعدى بـ "إلى".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وراءكم فيه وجهان، أظهرهما: أنه منصوب بـ "ارجعوا" على معنى: ارجعوا إلى الموقف، إلى حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هناك ممن نقتبس، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نورا بتحصيل سببه وهو الإيمان، أو فارجعوا خائبين وتنحوا عنا فالتمسوا نورا آخر، فلا سبيل لكم إلى هذا النور. والثاني: أن "وراءكم" اسم للفعل فيه ضمير فاعل، أي: ارجعوا ارجعوا، قاله أبو البقاء ، ومنع أن يكون ظرفا لـ "ارجعوا". قال: لقلة فائدته لأن الرجوع لا يكون إلا إلى وراء.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا فاسد; لأن الفائدة جليلة كما تقدم شرحها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فضرب بينهم بسور العامة على بنائه للمفعول. والقائم مقام الفاعل يجوز أن يكون "بسور" وهو الظاهر، وأن يكون الظرف. وقال مكي : "الباء مزيدة، أي: ضرب سور"، ثم قال: "والباء متعلقة [ ص: 245 ] بالمصدر، أي: ضربا بسور"، وهذا متناقض، إلا أن يكون قد غلط عليه من النساخ، والأصل: "أو الباء متعلقة بالمصدر"، والقائم مقام الفاعل الظرف. وعلى الجملة هو ضعيف.

                                                                                                                                                                                                                                      والسور: البناء المحيط. وتقدم اشتقاقه أول البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: له باب مبتدأ وخبر في موضع جر صفة لـ "سور".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: باطنه فيه الرحمة هذه الجملة يجوز أن تكون في موضع جر صفة ثانية لـ "سور"، ويجوز أن تكون في موضع رفع صفة لـ "باب"، وهو أولى لقربه. والضمير إنما يعود على الأقرب إلا بقرينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير "فضرب" مبنيا للفاعل وهو الله أو الملك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية