الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

                                                                                        ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        3809 - وقال الحارث : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن زياد بن نعيم الحضرمي ، قال : سمعت زياد بن الحارث الصدائي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه - يحدث قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعته على الإسلام ، فأخبرت أنه بعث جيشا إلى قومي ، فقلت : يا رسول الله ، اردد الجيش ، وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم ، فقال صلى الله عليه وسلم لي : اذهب ، فارددهم فقلت : يا رسول الله ، إن راحلتي قد كلت ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا أخا صداء ، إنك لمطاع في قومك فقلت : بل الله تعالى هداهم بك للإسلام ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلا أؤمرك عليهم ؟ فقلت : بلى ، يا رسول الله ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لي ، فأمرني ، فقلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مر لي بشيء من صدقاتهم فكتب لي صلى الله عليه وسلم كتابا آخر ، قال الصدائي - رضي الله عنه - : وكان ذلك في بعض أسفاره ، فنزل صلى الله عليه وسلم منزلا ، فأتاه أهل المنزل يشكون عاملهم ، ويقولون : يا رسول الله ، أخذنا بشيء كان بينه وبين قومه في [ ص: 538 ] الجاهلية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعل ذلك ؟ قالوا : نعم ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ، وأنا فيهم ، فقال : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن ، قال الصدائي - رضي الله عنه - : فدخل قوله صلى الله عليه وسلم في نفسي ، ثم أتاه صلى الله عليه وسلم آخر ، فسأله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أعطني ، فقال صلى الله عليه وسلم : من سأل الناس عن ظهر غنى ، فصداع في الرأس ، وداء في البطن فقال الرجل : أعطني من الصدقات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله جل وعلا لم يرض فيها بحكم نبي ولا غيره ، حتى حكم فيها بنفسه ، فجزأها ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك - أو أعطيناك بحقك ، قال الصدائي - رضي الله عنه - : فدخل ذلك في نفسي ، أني سألته وأنا غني ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار بنا من أول الليل ، فلزمته - وكنت قويا - وكان أصحابه - رضي الله عنهم - ينقطعون عنه ويستأخرون ، حتى لم يبق معه أحد غيري ، فلما كان أوان أذان الصبح أمرني صلى الله عليه وسلم ، فأذنت ، فجعلت أقول : أقيم يا رسول الله ، فينظر صلى الله عليه وسلم إلى ناحية المشرق إلى الفجر ، فيقول : لا ، حتى إذا طلع الفجر ، نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتبرز ، ثم انصرف إلي ، وقد تلاحق أصحابه - رضي الله عنهم - ، فقال صلى الله عليه وسلم : هل من ماء يا أخا صداء ؟ قلت : لا ، إلا شيء [ ص: 539 ] قليل لا يكفيك ، قال صلى الله عليه وسلم : اجعله في إناء ، ثم ائتني به ففعلت ، فوضع كفه صلى الله عليه وسلم في الإناء ، فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه صلى الله عليه وسلم عينا تفور ، فقال : يا أخا صداء ، لولا أني أستحيي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا ، فناد في أصحابي : من كان له حاجة في الماء ، فناديت ، فأخذ من أراد منهم ، ثم قام صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، فأراد بلال - رضي الله عنه - أن يقيم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخا صداء أذن ، فهو يقيم ، قال الصدائي - رضي الله عنه - : فأقمت الصلاة ، فلما قضى صلى الله عليه وسلم الصلاة أتيته بالكتابين ، فقلت : يا رسول الله ، أعفني من هذين الكتابين ، قال صلى الله عليه وسلم : وما بدا لك ؟ فقلت : سمعتك يا نبي الله تقول : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن ، وأنا أؤمن بالله ورسوله .

                                                                                        وسمعتك تقول للسائل : من سأل الناس عن ظهر غنى ، فهو صداع في الرأس ، وداء في البطن ، وقد سألتك وأنا غني قال صلى الله عليه وسلم : فهو ذاك ، فإن شئت فاقبل ، وإن شئت فدع ، فقلت : بل أدع ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : فدلني على رجل أؤمره عليكم ، فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه ، فأمره علينا ، ثم قلت : يا نبي الله ، إن لنا بئرا ، إذا كان [ ص: 540 ] الشتاء وسعنا ماؤها ، واجتمعنا عليها ، وإذا كان الصيف قل ماؤها ، فتفرقنا على مياه حولنا ، وقد أسلمنا ، وكل من حولنا عدو ، فادع الله تعالى لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها ، فنجتمع عليها ، ولا نتفرق ، فدعا بست حصيات ، ففركهن في يده ، ودعا فيهن ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : اذهبوا بهذه الحصيات ، فإذا أتيتم البئر ، فألقوها واحدة واحدة ، واذكروا اسم الله تعالى ، قال الصدائي - رضي الله عنه - : ففعلنا ، قال : فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها
                                                                                        .

                                                                                        أخرج أحمد وأبو داود بعضه مفرقا .

                                                                                        [ ص: 541 ] [ ص: 542 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية