الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6366 6367 6368 6369 ص: وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- في إباحة أكله أيضا ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس ومالك ، عن ابن شهاب أخبرها، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن ابن عباس: " أن خالد بن الوليد دخل مع رسول الله -عليه السلام- بيت ميمونة -رضي الله عنها- فأتي بضب محنوذ ، فأهوى إليه رسول الله -عليه السلام- بيده فقال بعض النسوة التي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -عليه السلام- ما يريد أن يأكل منه، فقالوا: هو ضب، فرفع يده، فقلت: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه، فاجتررته فأكلته، ورسول الله -عليه السلام- ينظر إلي فلم ينهني".

                                                حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال: حدثني أسباط بن محمد ، عن الشيباني ، عن يزيد بن الأصم قال: " دعينا لعرس بالمدينة، ، فقرب إلينا طعام فأكلناه، ثم قرب [ ص: 115 ] إلينا ثلاثة عشر ضبا، فمن آكل وتارك فلما أصبحت أتيت ابن عباس فأخبرته بذلك، فقال بعض من عنده، قال رسول الله -عليه السلام-: لا آكله ولا أحرمه ولا آمر به ولا أنهى عنه، فقال ابن عباس: ما بعث رسول الله -عليه السلام- إلا محللا أو محرما، قرب إلى رسول الله -عليه السلام- لحم فمد يده ليأكل، فقالت ميمونة: يا رسول الله، إنه لحم ضب، ثم قال: هذا لحم لم آكله قط، فأكل الفضل بن عباس 5 وخالد بن الوليد وامرأة كانت معهم، وقالت ميمونة: لا آكل طعاما لم يأكل منه رسول الله -عليه السلام-".

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا المقدمي ، قال: ثنا يزيد بن زريع ، قال: ثنا حبيب المعلم ، عن عطاء ، عن أبي هريرة: " أن النبي -عليه السلام- أتي بصحفة فيها ضباب، فقال: كلوا؛ فإني عائف".

                                                حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا وهب ، قال: ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: " أهدت خالتي أم حفيد ، إلى رسول الله -عليه السلام- أقطا وسمنا وأضبا، فأكل النبي -عليه السلام- من الأقط والسمن، ولم يأكل من الأضب، وأكل على مائدة النبي -عليه السلام- ولو كان حراما لم يؤكل على مائدة النبي -عليه السلام-".

                                                فثبت بتصحيح هذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب، وأنا به أقول.

                                                التالي السابق


                                                ش: أخرج أحاديث ابن عباس وأبي هريرة -رضي الله عنهم- تأييدا لقول من يذهب إلى إباحة أكل لحم الضب، وأشار إلى أنه مختاره، ولهذا قال: فثبت بتصحيح هذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب وأنا به أقول.

                                                أما حديث ابن عباس فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ مسلم والنسائي ، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن يونس بن يزيد الأيلي ومالك بن أنس كلاهما، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف ، عن ابن عباس .

                                                [ ص: 116 ] وأخرجه مالك في "موطئه" .

                                                ومسلم: حدثني أبو الطاهر ، وحرملة جميعا، عن ابن وهب -قال: حرملة: أنا ابن وهب- قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري، أن عبد الله بن عباس أخبره، أن خالد بن الوليد الذي يقال له سيف الله -رضي الله عنه- أخبره: "أنه دخل مع رسول الله -عليه السلام- على ميمونة زوج النبي -عليه السلام- وهي خالته وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمت الضب لرسول الله -عليه السلام- وكان قل ما يقدم إليه طعام حتى يحدث به ويسمى له، فأهوى رسول الله -عليه السلام- يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله -عليه السلام- بما قدمتن له، قلن: هو الضب يا رسول الله. فرفع رسول الله -عليه السلام- يده، فقال خالد بن الوليد: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي؛ فأجدني أعافه. قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله ينظر، فلم ينهني".

                                                وأخرجه أبو داود: عن القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة ، عن ابن عباس، نحوه.

                                                الثاني: عن محمد بن عمرو بن يونس ، عن أسباط بن محمد بن عبد الرحمن القرشي الكوفي ، عن أبي إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني ، عن يزيد بن الأصم الصحابي في بعض الأقوال.

                                                وأخرجه مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا علي بن مسهر ، عن الشيباني ، عن يزيد بن الأصم قال: "دعانا عروس بالمدينة، فقرب إلينا ثلاثة عشر ضبا، فآكل وتارك، فلقيت ابن عباس من الغد، فأخبرته، فأكثر القوم حوله حتى [ ص: 117 ] قال بعضهم: قال رسول الله -عليه السلام-: لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرمه، فقال ابن عباس: بئس ما قلتم، ما بعث الله تعالى نبي الله -عليه السلام- إلا محللا ومحرما، إن رسول الله -عليه السلام- بينما هو عند ميمونة وعنده الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى؛ إذ قرب إليهم خوان عليه لحم، فلما أراد النبي -عليه السلام- أن يأكل قالت له ميمونة: إنه لحم ضب فكف يده، وقال: هذا لحم لم آكله قط، وقال لهم: كلوا، فأكل منه الفضل وخالد بن الوليد والمرأة، قالت ميمونة: لا آكل من شيء إلا من شيء يأكل منه رسول الله -عليه السلام-".

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.

                                                وأخرجه مسلم: ثنا محمد بن بشار وأبو بكر بن نافع قال ابن نافع: أنا غندر، قال: ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير، قال: سمعت ابن عباس يقول: أهدت خالتي أم حفيد إلى رسول الله -عليه السلام- سمنا وأقطا وأضبا فأكل من السمن والأقط وترك الضب تقذرا، وأكل على مائدة رسول الله -عليه السلام-، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله -عليه السلام-".

                                                وأخرجه أبو داود: عن حفص بن عمر ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "بضب محنوذ" أي مشوي، قال الله تعالى: جاء بعجل حنيذ يقال: حنذت الشاة أحنذها حنذا، أي شويتها، وجعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها، فهي حنيذ.

                                                قوله: "فأهوى إليه" أي: مد إليه رسول الله -عليه السلام- يده.

                                                [ ص: 118 ] قوله: "فقلت أحرام؟ " الهمزة فيه للاستفهام.

                                                قوله: "أعافه" أي أكرهه، من عاف الرجل الطعام أو الشراب يعافه عيافا، أي كرهه فلم يشربه، فهو عائف.

                                                قوله: "أقطا" بفتح الهمزة وكسر القاف وربما تسكن، وهو لبن يابس مجفف مستحجر يطبخ به.

                                                وأما حديث أبي هريرة فأخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي، شيخ البخاري ومسلم ، عن يزيد بن زريع ، عن حبيب بن أبي قريبة المعلم البصري ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه البيهقي من حديث يزيد بن زريع ... إلى آخره نحوه.

                                                وقال الذهبي في "مختصر السنن": إسناده جيد. والله أعلم.

                                                ...




                                                الخدمات العلمية