الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6558 ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل يستحب إحفاء الشوارب، ونراه أفضل من قصها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم جمهور السلف، منهم أهل الكوفة ومكحول ومحمد بن عجلان ونافع مولى ابن عمر وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد؛ فإنهم قالوا: يستحب إحفاء الشوارب وهو أفضل من قصها، وروي ذلك عن فعل عبد الله بن عمر وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج ، وسلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله وأبي أسيد وعبد الله بن عمرو، ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة بإسناده إليهم.

                                                وقال عياض: وأما الشارب فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه لظاهر قوله: "أحفوا" و"أنهكوا" وهو قول الكوفيين.

                                                ثم "الإحفاء" مصدر من قولهم: أحفى شاربه؛ إذا استقصى في أخذه، وألزق جزه. قاله الجوهري .

                                                وقال الخطابي: الإحفاء بمعنى الاستقصاء، يقال: أحفى شاربه ورأسه.

                                                وقال ابن دريد: حفى شاربه يحفوه حفوا، إذا استأصل آخر شعره، قال: ومنه قوله: "أحفوا الشوارب".

                                                [ ص: 175 ] قلت: حاصل الكلام أن الإحفاء هو أن يأخذ من شاربه حتى يصير مثل الحلق، وأما الحلق بعينه فلم يرد، وقد كرهه بعض العلماء، فعلم من ذلك أن القص هو أن يأخذ منه شيئا، والإحفاء أن يستأصله، وإن كان ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يحفي حتى يرى جلده على ما يجيء إن شاء الله تعالى.

                                                فعل هذا كل إحفاء قص، وليس كل قص إحفاء، دليل ذلك ما قاله عياض: إن هؤلاء الذين ذهبوا إلى أن القص هو المستحب ذهبوا إلى أن الإحفاء والجز والقص بمعنى واحد، وأنه الأخذ منه حتى يبدو الإطار وهو طرف الشفة.

                                                فإن قيل: ما حكم السبلتان وهما طرفا الشارب؟

                                                قلت: ذكر بعضهم: لا بأس بترك ذلك، فعل ذلك عمر - رضي الله عنه - وغيره، لأن ذلك لا يستر الفم ولا يبقى فيه غمر الطعام إذ لا يصل إليه.

                                                وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا عائذ بن حبيب ، عن أشعث ، عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه -: "كنا نؤمر أن نوفي السبال، ونأخذ من الشوارب".

                                                قلت: السبال -بكسر السين المهملة وفتح الباء الموحدة- جمع سبلة، وهو طرف الشارب.

                                                وقال الجوهري: السبلة الشارب.




                                                الخدمات العلمية