الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6334 6335 ص: حدثنا محمد بن الحجاج، قال: ثنا الخصيب بن ناصح ، قال: ثنا يزيد بن عطاء ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن حسنة، قال: "نزلنا أرضا كثيرة الضباب فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها؛ فإن القدور لتغلي بها إذ جاء رسول الله -عليه السلام-، فقال: ما هذا؟ فقلنا: ضباب أصبناها، فقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض، وإني أخشى أن تكون هذه، فأكفئوها".

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا عمر بن حفص ، قال: ثنا أبي ، قال: ثنا الأعمش قال: ثنا يزيد بن وهب الجهني، قال: ثنا عبد الرحمن بن حسنة. . . ثم ذكر مثله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذان طريقان:

                                                الأول: عن محمد بن الحجاج بن سليمان الحضرمي الجوهري، أثنى عليه ابن يونس بخير، عن الخصيب بن ناصح الحارثي البصري نزيل مصر، وثقه ابن حبان، وقال أبو زرعة: لا بأس به.

                                                عن زيد بن عطاء بن يزيد اليشكري، ويقال: الكندي الواسطي البزاز مولى أبي عوانة من فوق، فيه مقال، فعن أحمد: ليس بحديثه بأس. وعن يحيى: ليس بشيء، وعنه ضعيف. وقال ابن حبان: لا يحتج به.

                                                عن سليمان بن مهران الأعمش .

                                                عن زيد بن وهب الجهني أبي سليمان الكوفي، رحل إلى النبي -عليه السلام-، فقبض وهو في الطريق، روى له الجماعة.

                                                عن عبد الرحمن بن حسنة أخي شرحبيل بن حسنة له صحبة.

                                                [ ص: 90 ] وأخرجه الطبراني: ثنا معاذ بن المثنى، نا مسدد، نا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش، ثنا زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن حسنة قال: "غزونا مع رسول الله -عليه السلام- فأصابتنا مجاعة، ونزلنا بأرض كثيرة الضباب، فأخذنا منها فطبخنا في القدور، فقلنا: يا رسول الله، إنها الضباب، فقال: إن أمة فقدت، لعلها هذه. وأمرنا فأكفأنا القدور".

                                                الثاني: عن فهد بن سليمان ، عن عمر بن حفص ، عن أبيه حفص بن غياث ، عن الأعمش ... إلى آخره.

                                                أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن وكيع ، عن الأعمش ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن أبي عاصم في كتابه نحوه، وفي آخره: "فأكفأناها ونحن جياع".

                                                فإن قيل: ما حكم هذا الحديث؟

                                                قلت: إسناده لا بأس به، وقال ابن حزم: حديث عبد الرحمن بن حسنة حديث صحيح وحجة، إلا أنه منسوخ بلا شك؛ لأن فيه أن النبي -عليه السلام- إنما أمر بإكفاء القدور بالضباب خوف أن تكون من بقايا مسخ الأمم السالفة، هذا نص الحديث، فإن وجدنا عنه -عليه السلام- ما يؤمن من هذا الظن بيقين فقد ارتفعت الكراهة أو المنع في الضب؛ فنظرنا في ذلك فوجدنا في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: "قيل: يا رسول الله، القردة والخنازير مما مسخ؟ فقال: إن الله لم يهلك قوما -أو يعذب قوما- فيجعل لهم نسلا، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك".

                                                فصح يقينا أن تلك المخافة منه -عليه السلام- في الضباب أن تكون مما مسخ قد ارتفعت، وأنها ليست مما مسخ ولا مما مسخ شيء في صورتها؛ فحلت.

                                                [ ص: 91 ] وحديث ابن عباس في أكله بحضرة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نص على تحليله، وهو الآخر الناسخ؛ لأن ابن عباس لم يجتمع بلا شك مع سيدنا رسول الله -عليه السلام- بالحديبية إلا بعد انقضاء الفتح وحنين والطائف، ولم يغز بعدها إلا تبوك، ولم تصبهم في تبوك مجاعة أصلا.

                                                فصح يقينا أن خبر ابن حسنة كان قبل هذا بلا مرية؛ فارتفع الإشكال جملة، وصحت إباحة عمر وغيره.

                                                قلت: وفيه نظر من وجهين:

                                                الأول: أن حديث ابن عباس ليس فيه أنه كان بالمدينة، وإنما قال: "كنت في بيت ميمونة، فدخل -عليه السلام- ومعه خالد -رضي الله عنه- فجاءوا بضبين. . ." الحديث، وإذا كان كذلك فيحتمل أنه كان لما تزوج -عليه السلام- ميمونة، وكان موضع مبيتها بيتها أي موضع كان.

                                                الثاني: أن قوله "ولم تصبهم في تبوك مجاعة" كلام فاسد، وذهول شديد عما في كتاب الله من تسميتها عسرة، وأي مجاعة أشد من ذلك؟!.

                                                قوله: "فأصابتنا مجاعة" أي جوع، وهو نقيض الشبع، يقال: جاع يجوع جوعا، ومجاعة، والجوعة: المرة الواحدة.

                                                قوله: "إن أمة" أي طائفة.

                                                قوله: "فأكفئوها" أمر من كفأت الإناء كببته وقلبته، فهو مكفوء.

                                                وزعم ابن الأعرابي أن أكفأته لغة، وهو مهموز اللام.




                                                الخدمات العلمية