الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6776 6777 6778 6779 6780 6781 [ ص: 353 ] ص: فقد رويت هذه الآثار عن رسول الله -عليه السلام- في النهي عن التختم بالذهب، منها حديث البراء الذي قد ذكرناه فيها، وهو أصح وأثبت مما رويناه عنه في الإباحة، فاحتمل أن يكون ما ذهب إليه أحد الفريقين عن رسول الله -عليه السلام- ناسخا لما قد رواه الفريق الآخر.

                                                فنظرنا في ذلك فإذا ابن أبي داود حدثنا، قال: ثنا مسدد ، قال: ثنا يحيى ، عن عبيد الله، قال: حدثني نافع ، عن عبد الله: " أن رسول -عليه السلام- اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه، فاتخذه الناس، فرمى به واتخذ خاتما من ورق ، أو فضة". .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا أبو الوليد ، قال: ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا القعنبي ، قال: قرأت على مالك بن أنس ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر: " ، أن رسول الله -عليه السلام- كان يلبس خاتما من ذهب، ثم قام فنبذه، وقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم". .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا أبو عاصم ، عن المغيرة بن زياد ، أنه حدثه، قال: حدثني نافع ، عن ابن عمر: " أن النبي -عليه السلام- اتخذ خاتما من ذهب، فاتخذ أصحابه خواتيم من ذهب، ثم رمى به واتخذ خاتما من ورق، ، وكتب فيه: محمد رسول الله". .

                                                حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا عبد الواحد بن غياث ، قال: ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                فثبت بهذه الآثار أن خواتم الذهب قد كان لبسها مباحا ثم نهى عنه بعد ذلك. فثبت أن ما فيه تحريم لبسها، هو الناسخ لما فيه إباحة لبسها.

                                                فهذا هو وجه هذا الباب من طريق الآثار.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي أخرجها عن ثمان أنفس من الصحابة الدالة على تحريم خاتم الذهب للرجال.

                                                [ ص: 354 ] قوله: "منها" أي من هذه الآثار: حديث البراء بن عازب الذي يدل على التحريم، وقد روي عنه أيضا ما يدل على الإباحة، وهو المذكور في أول الباب، ولكن أشار أن الذي يدل على التحريم أصح وأثبت من الذي يدل على الإباحة من جهة الإسناد ومن جهة تلقي العلماء بالقبول، والعمل به.

                                                ولما كان لقائل أن يقول: إن في هذا الباب حديثين أحدهما يدل على الإباحة، والآخر على الحظر، فما المرجح في نسخ ما يدل على الحظر ما يدل على الإباحة؟ فلم لا يجوز أن يكون ما يدل على الإباحة ناسخا لما يدل على الحظر؟!

                                                أشار إلى ذلك فقال: "وجدنا آثارا عن عبد الله بن مسعود وعن عبد الله بن عمر تدل على أن لبس خواتيم الذهب كان مباحا ثم ورد النهي بعد ذلك، فثبت أن ما فيه الحظر هو الناسخ لما فيه الإباحة.

                                                ووجه آخر: أنه يلزم في العكس النسخ مرتين؛ فلم يثبت ذلك هاهنا.

                                                وأخرج حديث عبد الله بن عباس بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن مسدد بن مسرهد شيخ البخاري ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله بن عمر العمري ، عن نافع عن عبد الله .

                                                وأخرجه البخاري: عن مسدد ، عن يحيى .. إلى آخره نحوه.

                                                وأخرج أحاديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - من أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري ، عن نافع .. إلى آخره.

                                                وهذا الحديث أخرجه الجماعة غير ابن ماجه:

                                                [ ص: 355 ] فقال البخاري: ثنا يوسف بن موسى، ثنا أبو أسامة، ثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر: "أن رسول الله -عليه السلام- اتخذ خاتما من ذهب -أو فضة- وجعل فصه مما يلي كفه، ونقش فيه ومحمد رسول الله، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة، قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي -عليه السلام- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، حتى وقع من عثمان في بئر أريس".

                                                وقال مسلم: ثنا قتيبة، قال: ثنا ليث ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر: "أن رسول الله -عليه السلام- اصطنع خاتما من ذهب، فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه، فقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل، فرمى به، ثم قال: والله لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم".

                                                وقال أبو داود: ثنا نصير بن الفرج، قال: ثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر: اتخذ النبي -عليه السلام- خاتما من ذهب، وجعل فصه مما يلي بطن كفه ونقش فيه: محمد رسول الله، فاتخذ الناس خواتم الذهب، فلما رآهم قد اتخذوها؛ رمى به، وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه: محمد رسول الله، ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر - رضي الله عنه - ثم لبسه عمر - رضي الله عنه - بعد أبي بكر، ثم لبسه عثمان - رضي الله عنه - حتى وقع في بئر أريس، ولم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده".

                                                وقال الترمذي: ثنا محمد بن عبيد المحاربي الكوفي، قال: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر: "أن النبي -عليه السلام- صنع خاتما [ ص: 356 ] من ذهب، فتختم به في يمينه، ثم جلس على المنبر، فقال: إني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني، ثم نبذه، ونبذ الناس خواتيمهم".

                                                وقال النسائي: أنا علي بن حجر ، عن إسماعيل ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر، قال: "اتخذ النبي -عليه السلام- خاتم الذهب فلبسه، فاتخذ الناس خواتيم الذهب، فقال رسول الله: إني كنت ألبس هذا الخاتم، وإني لن ألبسه أبدا، فنبذه، فنبذ الناس خواتيمهم".

                                                الثاني: عن يزيد بن سنان ، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، عن مالك .. إلى آخره.

                                                وأخرجه في "موطإه" .

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن المغيرة بن زياد البجلي ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                الرابع: عن يزيد بن سنان القزاز ، عن عبد الواحد بن غياث المربدي، شيخ أبي داود ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.




                                                الخدمات العلمية