د- أهمية الدراسة
تنبع أهمية دراسة الوقف، بوصفه نظـاما متمـيزا، من أنه حضاري ذو تأثير بالغ على المجتمع المدني ومؤسساته؛ حيث أسهم في تكوين المجتمع الإسلامي المتراحم، ووثق عرى النسيج الاجتماعي، كما دعم روح التكافل والتواصل بين الناس.
ومع تلك الأهمية البالغة للوقف، إلا أن الملامح العامة له في العصر الحديث لم تتضح بما فيه الكفاية، وظلت قاصرة على الأمل المنشود، سواء في علاقاته مع السلطة الحكومية، أو القطاع الخاص، أو قطاع مؤسسات المجتمع المدني، أو طبيعة تمويله، أو تنظيمه الإداري
[1] .
ومن ثم تظهر الحاجة إلى تحسين معرفتنا الأساسية بالوقف، وبالرغم من جفاف نبعه، إلا أننا لانزال بحاجة إلى دراسته؛ لأنه واحد من الموضوعات الفقهية التي ترك لنا إسلامنا فيها تراثا ضخما، جديرا بالتعرف عليه، [ ص: 30 ] والاستفادة منه، على أنه ربما تغيرت النظرة في المستقبل -إلى هـذا الموضوع- فعاد مرة أخرى إلى حيز التطبيق العملي الفعال.
وثمة دراسات متعددة تناولت موضوع «الأوقاف»، ولكنها في مجملها قد سارت في واحد من اتجاهين أساسين: الأول: هـو الاتجاه الفقهي «القانوني»، إذ توجد مؤلفات عديدة عالجت نظام الوقف من حيث أحكامه الفقهية وقواعده القانونية، ومعظمها مؤلفات تراثية..!! والآخر: هـو الاتجاه «التأريخي الوثائقي»، وهي في معظمها عبارة عن رسائل جامعية، ولكنها تناولت فترات تاريخية محددة
[2] .
وفي إطار عودة الاهتمام بموضوع «الأوقاف» في العديد من البلاد العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة، وإنهاء ما يشبه «القطيعة الثقافية والأكاديمية» التي ضربت حول هـذا الموضوع، تم عقد العديد من الندوات العلمية في بعض الدول العربية والإسلامية
[3] ، اهتمت في مجملها بالجانب الاقتصادي لنظام الوقف، إلى جانب شيء من الاهتمام ببعض جوانبه الفقهية والتاريخية والاجتماعية. [ ص: 31 ]
وهذا البحث يمكن أن يعتبر الأول، الذي يتناول في تخصص شديد، ناحية محددة - وهي الناحية الصحية - ودور الوقف التنموي فيها؛ مما يعطي هـذا البحث أهمية مميزة في هـذه الفترة من مسيرة الوقف عبر مراحل التاريخ الإسلامي..!!