الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              ثانيا: فقه الوقف

              الأصل في الأموال أنها تنتقل من شخص إلى آخر، ومن جهة إلى أخرى بأسباب معينة، بينتها شريعة الإسلام. ولا يوجد في الأموال نوع غير قابل للتداول بين الناس بسبب من الأسباب التي تؤدي إلى نقل الملكية. فإذا رأى إنسان أن يمنع ماله من أن يتداول بين الناس، وأراد أن يجعله خارجا عن نطاق الأموال المتداولة بين الناس بالتمليك، ويتبرع بمنفعة هـذا المال الثابت لبعض الأفراد، والجهات الخيرية، فهذا هـو معنى «الوقف» عند فقهاء الإسلام



              [1] .

              واختلفت تعابير الفقهاء في تعريف «الوقف» من حيث الصياغة، غير أنها تتفق غالبا في المضمون، وما بينها من تفاوت في هـذا يرجع إلى زيادة قيد أو شرط في تعريف دون آخر.

              ومن تلك التعريفات: أن الوقف حبس العين على حكم الواقف والتصدق بمنفعتها على من أحب



              [2] . [ ص: 45 ]

              ومنها: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح



              [3] .

              ومنها: حبس العين عن أن تكون مملوكة لأحد من الناس وجعلها على حكم ملك الله والتصدق بريعها على جهة من جهات الخير والبر



              [4] .

              ويرى الإمام محمد أبو زهرة أن أصدق تعريف مصور جامع لصور الوقف عند الفقهاء الذين قرروه هـو: منع التصرف في رقبة العـين التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها وجعل المنفعة لجهة من جهات الخير ابتداء وانتهاء [5] . 1- مشروعية الوقف والندب إليه

              يرى جمهور العلماء من السلف ومن بعدهم أن الوقف مشروع مندوب إليه، بالكتاب، والسنة، والإجماع. أ- مشروعية الوقف من الكتاب

              آيات كريمة تعددت في القرآن الكريم، تحث على الإنفاق في وجوه الخير. والإنفـاق في وجـوه الخير، إما أن يكون منقطعا أو مستمرا. والوقف داخل في مجال الإنفاق في وجوه الخير،

              قال تعالى: ( يا أيها الذين [ ص: 46 ] آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ) (البقرة:267) ،

              وقـال تعـالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) (آل عمران:92) . ب- مشروعية الوقف من السنة

              ومنها: ما أخرجه مسلم ( عن أبي هـريرة ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )



              [6] .

              ومن السنة أيضا، ما أخرجه البخاري ( عن أبي هـريرة، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من احتبس فرسا في سبيل الله، إيمانا بالله، وتصديقا بوعده، فإن شبعه، وريه، وروثه، وبوله، في ميزانه يوم القيامة )



              [7] . ج- مشروعية الوقف من الإجماع

              " قال جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذا مقدرة إلا وقف " . قال ابن قدامة بعد أن نقل هـذا: وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف، واشتهر ذلك، فلم ينكره أحد، فكان إجماعا [8] . [ ص: 47 ]

              - حكمة مشروعية الوقف

              وحيث انتهينا إلى القول بمشروعية الوقف، فإنه يجب علينا أن نشير إلى حكمة مشروعيته، وهي تتلخص في أن الإسلام حرص كل الحرص على البر بالضعفاء والمساكين، وتشجيع المؤسسات الخيرية، كدور العبادة والعلم، وكذلك النهوض بمستوى المجتمع الإسلامي: دينيا وعلميا واقتصاديا وصحيا. ولا شك أن الوقف يعتبر واحدا من الوسائل المثلى لتحقيق تلك الغاية النبيلة؛ لذلك شرع الإسلام الوقف على الفقراء والمساكين ودور العبادة والعلم والمستشفيات وغيرها من المؤسسات التي تقدم نفعا عاما



              [9] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية