الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الفصل الرابع

              الأوقاف والرعاية الصحية في العصر الحديث

              تمهيد

              في ضوء ما تقدم من تطور تاريخي لنظام الوقف ودوره وآثاره في الحضارة الطبية الإسلامية، تبين لنا ما قـدمه الوقف، كمؤسـسة إسلامية أو كنظام إسلامي، في مجال الرعاية الصحية لأفراد المجتمع الإسلامي على اختلاف فئاتهم العمرية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية، وما أسهمت به أموال الأوقاف في دعم التقدم العلمي في كافة المجالات وفي مجال الطب والتمريض والصيدلة خاصة. وقد كان ذلك كله ضمن منظومة الأنشطة الوقفية والأعمال الخيرية التي عمت المجتمعات الإسلامية خلال تلك العصور وأسهمت في تقدمها في كافة المجالات. ولكن: أين هـو موقع هـذا النظام في عالمنا العربي والإسلامي اليوم؟‍‍! وما هـو الدور الذي يمارسه مقارنة مع دور الحضارة التاريخي؟!! يمكن التأكيد أن الوضع قد تبدل تماما، وأن الحال القائم هـو غير الحال المنتظر من نظام الوقف في جميع البلاد العربية والإسلامية. لقد خبت جذوة هـذه الأنشطة وتراجع دور الوقف خلال العصور المتأخرة حتى أصبح اليوم مقصورا على بعض الأعمال الخيرية مثل المساجد أو بعض الأربطة والأضاحي وما إلى ذلك من أعمال خيرية محدودة النفع. [ ص: 161 ] وقد ساعد على هـذا الوضع فتور هـمة الكثير من المسلمين في إيقاف أموالهم لأعمال البر ذات النفع العـام لأسباب كثيرة - سبقت الإشارة إلى بعضها في المبحث الأول - ومنها تغير نمط الحياة في العصور الحديثة حيث أصبحت الحكومات تتولى الإشـراف على كافة الخدمات المقدمة للمواطنين ومن أهمها الخدمات الصحية. وكذلك استيلاء الحكومات على الكثير من الأوقاف السابقة في كافة أنحاء العالم الإسلامي إلا ما ندر، مما لم يبق أمام الناس نماذج حية لأعمال الوقف التي يشاهدون ثمارها في خدمة مجتمعاتهم ويحاولون دعمها والإكثار منها، حيث لا يكاد يوجد مستشفى واحد على سبيل المثال من تلك المستشفيات الكبرى التي أشرنا إليها والتي بقي آخرها إلى بدايات القرن العشرين وخاصـة في تركيا حيث عمد كمال أتاتورك إلى محو الأوقاف الإسلامية، حتى أنه أحال آخر مستشفى منها عام 1927م إلى مخزن للتبغ



              [1] .

              والمتتبع لإحصائيات وزارات الأوقاف في بعض دول العالم الإسلامي اليوم، وخاصة الغنية منها، لا يكاد يجد ما يشير إلى الوقف في مجال الرعاية الصحية. وعلى سبيل المثال: في المملكة العربية السعودية ، تشير إحصائيات وزارة الشئون الإسلامية إلى أن نسبة 60.4% من الأوقاف المخصصة للشئون الخيرية غير المساجد وشئون الدعوة قد خصصت للفقـراء، وأن [ ص: 162 ] 31.2% مخصص للأربطة، ونسبة 8.2% مخصصة لأوجه أخرى متفرقة وتحتوي على أوقاف غير مخصصة



              [2] .

              وقد عانى الوقف في بعض دول الخليج العربية من بعض الأعراض، التي عانى منها الوقف في باقي دول العالم الإسلامي.

              التالي السابق


              الخدمات العلمية