الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              ثانيا: الوقف ودوره في ازدهار حركة الترجمة

              لقد بدأت أوروبا من حيث انتهت أبحاث المسلمين، ولولا ما قدمه علماء الأمة الإسلامية من جهاد وكفاح علمي شرف الجنس البشري بأكمله لتأخر سير الحضارة في العالم أجيالا عديدة.

              ويقرر تاريخ العلم: أن شمس الحضارة الطبية سطعت في عصر الدولة العباسية، فقد بلغ من عناية الأمراء العباسيين بصناعة الطب أنهم فتحوا باب العلم على مصراعيه، واستقدموا الأطباء والمترجمين من بلاد اليونان والهند ، ومن مدينة جنديسابور في فارس.

              ولقـد نشطت حركة الترجمـة والنقل نشاطا كبيرا في عهد الخليفة أبو جعفر المنصـور، الـذي تولى الخـلافة عام 136هـ إلى 158هـ ، [ ص: 156 ] ولم تمض فترة قليلة حتى أصبحت بغداد ، التي اتخذها أبو جعفر المنصور عاصمة لملكه عام 148هـ ، عاصمة للعالم كله في مختلف العلوم الطبية والفلكية وغيرها.

              وكان عصر الخليفة هـارون الرشيد ، من عام 170هـ إلى 193هـ ، من أزهى عصور العلم، فقد جمع عنده أئمة الطب من بلاد العالم وخاصة أطباء مدينة جنديسابور ، فأدى ذلك إلى نشأة الطب العربي المتطور، وأسس الرشيد بيت الحكمة أو «مدرسة الترجمة».

              وكان الخليفة المأمون الذي تولى الخلافة من عام 197هـ إلى 218هـ شغـوفا بالعـلم، مهتـما بالطب والأطباء، فأصبح بيت الحكمة شبه أكاديمية للعلوم.

              وبلغ من عناية الخلفاء العباسيين بالطب والأطباء، أن الخليفة القاهر العباسي الذي تولى الخلافة من عام 320هـ وحتى 322هـ ، تقدم إلى طبيبه عيسى بن يوسف الملقب بالعطار، وأمره بإجراء امتحان لكل من يرغب في مزاولة مهنة الطب، حتى يطهر مهنة الطب من الشعوذة وأدعياء الطب الجهلة



              [1] .

              كما زادت أهمية الترجمة من اللغة اليونانية إلى اللسان العربي، ومن شيوخ الترجمة: الطبيب حنين بن إسحاق العبادي، المتوفى عام 260هـ ، [ ص: 157 ] وكان على علم باللغات العربية والسريانية واليونانية والفارسية، وقد ورد في كتب التاريخ أن خليفة المسـلمين المأمون كان يعطي حنين بن إسحاق زنة ما ينقله من الكتب إلى اللغة العربية، تشجيعا للمترجمين على نقل العلوم إلى اللسان العربي.

              ونظرا لما لعلم الصيدلة الطبية من أهمية كبرى لعلم الطب، وأنه لازم له لا ينفصل عنه مطلقا، فقد اعتنى علماء النهضة العلمية بالتأليف والترجمة اللازمة المفيدة في هـذا المجال.

              وقد ترجم العلماء العرب الكثير من كتب اليونان ومن كتب الهند في العقاقير، وقد أدخلت اللغة العربية ألفاظا هـندية في علم الصيدلة في كثير من مفردات الأدوية مثل: زنجبيل وفلفل وصندل وغير ذلك.. ومن علماء العرب في دولة الإسلام، الذين كانت لهم اليد الطولى في تطور علم الصيدلة: حنين بن إسحاق العبادي ، والكندي ، وأبو بكر الرازي الذي اتصل بعلم الصيدلة اتصالا وثيقا في تجاربه التي أجرها لوضع أساس علمي منظم للبحوث الكيماوية. وكذلك من الذين نبغوا في الصيدلة: ابن سينا، وابن صاعد الأندلسي ، وموسى بن العازار ، والبيروني ، وابن جلجل ، وابن البيطار ، وداود الأنطاكي ، وغيرهم. [ ص: 158 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية