الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الفصل الثالث :الوقف ودوره في تطوير التعليم الطبي

              تمهيد

              تقول العلامة الألمانية «سيجريد هـونكة»: «.. والحق أن الطب الصحيح لم يكن إلا عند المسلمين العرب، فالدراسات الطبية عندهم كانت تقوم على أسس علمية، وهم أول من فرق بين الطب والصيدلة. فقد أسس العرب أول صيدلية عامة في القرن الثامن الميلادي في عصر الخليفة المنصور، كما أوجدوا صيدليات متنقلة مع المستشفيات المتنقلة التي أوجدوها. وذلك في الوقت الذي كانت الكنيسة في أوروبا ترى أن استخدام أدوية غير روحية وكذا احتراف مهنة الطب عمل مشين (شائن) يتنافى مع الكرامة».

              ثم تقول: ومن النادر أن نجد أوروبا تعرف ذلك أو تعترف بأنها أخذته عن العرب، بل ينسبون ذلك ظلما وخطأ إلى الإنجليز والفرنسيين، لكن التاريخ يؤكد أن العرب المسلمين بمؤلفاتهم العظيمة هـم أساتذة أوروبا ثقافيا... فقد ترجمت كثير من كتبهم في النواحي المختلفة في القرن الثالث عشر الميلادي وما بعده، وانتفع بها علماء الغرب. وهكذا بعثت الثقافات الإسلامية في أوروبا نهضة عقلية وتشبعت بها كما يتشبع الإسفنج الظمآن بالماء، والأرض الجافة بالغيث... وإن مرجع هـذه النهضة العلمية عند المسلمين والسبق الحضاري هـو العقيدة الإسلامية التي نشأت فيهم، وقام [ ص: 119 ] بتوجيهها رسول منهم آخى بين معتنقي دعوته، وخلق فيهم أخوة إسلامية قوية كالبنيان المرصـوص يشـد بعضه بعضا بعد تفكك، وذلك مصداقا لقوله تعالى: ( واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) (آل عمران:103) ،

              ووجههم هـذا الرسول إلى العلم والأخذ بأسباب المعرفة



              [1] .

              ولعل تشريع «الوقف» يدل دلالة لا مراء فيها على أن صلة العقيدة أقوى وأمتن من كل صلات الجنس واللغة والموطن، وأن تلك الصلة مناط الحضارة الإسلامية التي كان لها الفضل الأكبر في توجيه الحضارة الإنسانية نحو التطوير والتجديد، والتحرر من التخلف والجمود، وإن لم تنتفع هـذه الحضارة، وبخاصة في الغرب، بكل مقومات، أو دعائم الحضارة الإسلامية



              [2] .

              وإذا كانت آيات الكتاب العزيز، وأحاديث الرسول الكريم ( في طلب العلم والحض على التزود منه باستمرار من أهم الأسباب التي دفعت العلماء إلى الإقبال في شغف وحرص بالغين على الدراسة والبحث والتأليف، فإن هـناك عوامل أخرى ساعدت على ازدهار الحياة العلمية في تاريخ المسلمين، وعلى نمو هـذه الحياة وتطورها مع تعاقب الأعوام والسنين، وعلى رأس هـذه العوامل المساعدة «الوقف»



              [3] . [ ص: 120 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية