الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              ثالثا: وقف الكتب والمكتبات الطبية

              من المشاهدات التي سجلها الرحالة الإسلامي « ابن جبير » في رحلته أثناء عبوره «مصر» ما يؤكد حقيقة دور المكتبات الوقفية على مستوى الأقاليم المختلفة، فقال: «.. ومن مناقب هـذا البلد ومفاخره أن الأماكن في هـذه المكتبات قد خصصت لأهل العلم فيهم، فهم يعبرون من أقطار نائية، فيلقى كل واحد منهم مأوى يأوي إليه ومالا يصلح أحواله به جميعا» [1] .

              ولقد دعمت مؤسسة الوقف عملية إحياء الكتب والمصنفات العلمية إلى جانب مؤسسة الزكاة بشكل متكامل، فنظام الزكاة اعتبر كتب العلم من الحوائج الأصلية للمستفيدين منها من أهل العلم وبالتالي تستثنى من واردات التحصيل ولا تدخل وعاء الزكاة [2] . وفي الوقت نفسه تقوم مؤسسة الوقف بتمويل الكتب كجزء من الاهتمام والرعاية العامة للاحتياجات التعليمية، وقد قامت الأوقاف بتمويل كتب نفيسة، منها مؤلفات طبية مشهورة على مستوى عالمي وتدرس في جامعات مرموقة، مثل: كتاب «الكليات في الطب» لابن رشد ، «والحاوي في الطب» للرازي «والقانون» لابن سينا .

              ولعل من أشهر البيمارستانات التي ألحقت بها جملة كثيرة من الكتب الطبية: البيمارستان الطولوني بالقاهرة، الذي أنشأه أحمد بن طولون ، الذي [ ص: 159 ] حكم مصر والشام والثغور، عام 259هـ ، وكان بمثابة مستشفى وكلية طب، وجعل فيه خزانة كتب، احتـوت على ما يزيد على مائة ألف مجلد، لم تكن في علوم الطب وحدها، بل في تخصصات متنوعة؛ والبيمارستان العضدي في بغداد ، الذي أنشأه عضد الدولة البويهي في القرن الرابع الهجري وألحقت به مكتبة كبيرة؛ كذلك البيمارستان النوري في دمشق ، وكان السلطان نور الدين محمود بن زنكي قد أوقف عليه جملة كثيرة من الكتب الطبية. وحظي البيمارستان المنصوري بالقاهرة باهتمام الواقفين، وكان من بينهم علاء الدين علي بن أبي حزم القرشي الدمشقي المعروف بابن النفيس ، وقد أوقف داره وكتبه على البيمارستان المنصوري [3] .

              وجدير بالإشارة أن مؤسسة الوقف تعنى بشئون التعليم في نطاقين: روحي ومادي، بوضع متوازن. وكان علماء الإسلام يشكلون ظاهرة موسوعية في المعرفة، فكانت علومهم نافعة بسبب المبادئ التي يلتزمون بها، فالعلوم المادية التي يحققها المجتمع تكون مسخرة لتنمية الملكات الروحية، وبالتالي فإن المجتمع الذي يعجز عن تحقيق التوازن والانسجام بين التطور المادي والتربية الإيمـانية هـو مجتمع متخلف، من وجهة نظر القيم السليمة، ولو أنه تطور بعيدا في الوصول إلى متع الدنيا ومباهج الحياة



              [4] . [ ص: 160 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية