الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              خامسا: أزمة تمويل مؤسسات الرعاية الصحية

              إن الخدمات الصحية مثلها مثل بقية احتياجات المجتمع، تكلفتها في تزايد مستمر، ولكن الخدمات الصحية تعتبر من الاحتياجـات الأكثر إلحاحا، والتي لا يمكن التقصير فيها أو تقديم غيرها عليها في سلم الأولويات، [ ص: 66 ] وفي الوقت نفسه فإن الزيادة المطردة والمتنامية في تكلفة الإنفاق على مؤسسات الرعاية الصحية أصبحت ظاهرة عالمية تعاني منها المجتمعات الغنية والفقيرة، وتحاول إيجاد الحلول المناسبة لمواجهتها، وإن كان الأمر يزداد خطورة في المجتمعات النامية، التي ينتمي إليها كثير من الدول الإسلامية في الوقت الحاضر. وفي السنوات القليلة الماضية برزت تلك المشكلة في دول الخليج العربي، التي كان الإنفاق على المرافق الصحية فيها تتولاه الحكومات بشكل كامل، ولم يكن الناس يذهبون إلى المستشفيات الخاصة إلا من باب الرفاهية وبسبب الثراء.

              أما اليوم فقد بدأت الشكوى من القصور في بعض مرافق الصحة، وبدأ التململ من زيادة التكلفة العلاجية، وأثيرت الأسئلة حول أسباب هـذه الظاهرة وكيفية مواجهتها.

              أما عن أسباب الزيادة في تكاليف الخدمات الصحية فإنها كثيرة، منها أسباب عالمية، ومنها أسباب محلية تتعلق بظروف بعض المجتمعات. فمن الأسباب العالمية ما يأتي:

              1- تغير أنماط الحياة، وسلبيات المدنية والتلوث البيئي في الكثير من دول العالم وخاصة المتقدمة صناعيا، كل ذلك مما له علاقة بالصحة والمرض وزيادة الطلب على الخدمات الصحية.

              2- التقـدم العلمي والطبي الهائل والمتسارع وما يتبعه من اكتشاف أمراض جديدة، ووسائل تشخيص وعلاج وأدوية جديدة أيضا، تحتاج إلى المزيد من النفقات. [ ص: 67 ]

              3- استحداث أساليب تقنية حديثة في التشخيص والمعالجة، وهي مرتفعة التكلفة مقارنة بالأساليب التقليدية.

              4- ارتفاع تكاليف المنشآت الصحية وتكلفة تشغيلها وصيانتها.

              5- التغير الذي حصل في أنماط الأمراض، حيث تزايد معدل الإصابة بالأمراض ذات الكلفة العالية، والأمراض التي تتطلب معالجة دائمة مثل أمراض السكري وغيره ورعاية المسنين وتأهيل المعاقين والمرضى النفسيين وغير ذلك.

              6- الزيادة السكانية العالمية، التي شكلت ضغطا كبيرا على موارد الدول كافة وصاحبها نقص شديد في كثير من متطلبات الحياة واحتياجات الإنسان ومنها الخدمات الصحية.

              7- الزيادة العالمية في أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية.

              أما الأسباب المحلية، التي كانت وراء الزيادة الهائلة في تكلفة الخدمات الصحية في كثير من البلاد الإسلامية، فمنها:

              1- عصرنة الحياة وارتفاع مستويات الوعي العام، وهو مما أدى إلى الإقبال على طلب الخدمة الصحية والتخلي عن طرق التداوي التقليدية لدى الكثير من المواطنين.

              2- هـدر الموارد، الناتج عن غياب الإدارة الصحية الجيدة والقصور في عمليات التخطيط الصحي، فيقل العائد من الموارد المحدودة التي تصرف على القطاع الصحي، نظرا لنقص الكفاءة في الأداء وسوء التخطيط. [ ص: 68 ]

              3 – ارتفاع أجور القوى العاملة في القطاع الصحي بشكل عام، وخاصة في الدول التي تنقصها الكفاءات الطبية المتخصصة في كثير من المجالات الطبية، حيث يتم استقدام هـؤلاء المتخصصين من كثير من دول أوروبا وأمريكا وغيرها بأجور مرتفعة جدا. وقد ساعد على ذلك التفرع الدقيق والمتواصل في التخصصات الطبية وهو ما انعكس على تكلفة القوى العاملة الطبية المتخصصة في المجالات الفرعية.

              4- غياب الوعي بأهمية المحافظة على المال العام لدى كثير من المواطنين، وهو ما ينعـكس على تعاملهم مع المرافق الصحية والأدوية، وزيارة أكثر من طبيب للغرض نفسـه وغير ذلك مما يشكل عبئا ماليا وطاقة مهدرة



              [1] .

              هذه الأسباب أدت إلى ظهور ما يمكن أن نسميه «أزمة تمويل الخدمات الصحية»، تلك الأزمة التي انعكست على أداء مؤسسات الرعاية الصحية في كثير من البلاد الإسلامية، ونتج عنها قصور شديد في ممارسة تلك المؤسسات للدور المطلوب منها في تقديم الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية المثلى للمواطنين. [ ص: 69 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية