قوله: تستكثر العامة على رفعه، وفيه وجهان، أحدهما: أنه في موضع الحال أي: لا تمنن مستكثرا ما أعطيت. وقيل: معناه: لتأخذ أكثر مما أعطيت. والثاني: أنه على حذف "أن" يعني أن الأصل: ولا تمنن أن تستكثر، فلما حذفت "أن" ارتفع الفعل كقوله:
4380- ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ ص: 536 ] في إحدى الروايتين، قاله ، ولم يبين: ما محل "أن" وما في حيزها. وفيه وجهان، أظهرهما - وهو الذي يريده - هو أنها في محل نصب أو جر على الخلاف فيها بعد حذف حرف الجر، وهو هنا لام العلة تقديره: ولا تمنن لأن تستكثر. والثاني: أنها في محل نصب فقط مفعولا بها أي: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قاله الزمخشري وقد تقدم لك أن "تمنن" بمعنى تضعف، وهو قول مكي، . إلا أن الشيخ قال بعد كلام مجاهد "وهذا لا يجوز أن يحمل القرآن عليه; لأن ذلك لا يجوز إلا في الشعر، ولنا مندوحة عنه مع صحة معنى الحال". قلت: قد سبقه الزمخشري: وغيره إلى هذا. وأيضا فقوله: "في الشعر" ممنوع; هؤلاء الكوفيون يجيزون ذلك وأيضا فقد قرأ مكي الحسن "تستكثر" نصبا، وهو على إضمار "أن" كقولهم: "مره يحفرها" وأبلغ من ذلك التصريح بأن في قراءة والأعمش "ولا تمنن أن تستكثر". عبد الله:
وقرأ أيضا الحسن "تستكثر" جزما، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون بدلا من الفعل قبله، كقوله تعالى: وابن أبي عبلة يلق أثاما يضاعف فـ "يضاعف" بدل من "يلق" وكقوله: [ ص: 537 ]
4381- متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
ويكون من المن الذي في قوله: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى الثاني: أن يشبه (ثرو) بـ "عضد" فيسكن تخفيفا، قاله ، يعني أنه تأخذ من مجموع "تستكثر" ومن الكلمة بعده وهو الواو ما يكون فيه شبيها بـ "عضد". ألا ترى أنه قال: "أن يشبه ثرو" فأخذ بعض الزمخشري "تستكثر" وهو الثاء والراء وحرف العطف من قوله: ولربك فاصبر .
وهذا كما قالوا في قول امرئ القيس:
4382- فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل
بتسكين "أشرب": إنهم أخذوا من الكلمتين (ربغ) كـ عضد، ثم سكن. وقد تقدم في سورة يوسف في قراءة " من يتقي " بثبوت الياء أن "من" موصولة، فاعترض بجزم "يصبر" فأجيب: بأنه شبه (برف) أخذوا الباء والراء من "يصبر"، والفاء من "فإن" وهذا نظير تيك سواء. الوجه الثالث: أن يعتبر حال الوقف ويجرى الوصل مجراه، قاله قنبل أيضا، يعني أنه مرفوع، وإنما سكن تخفيفا، أو أجري [ ص: 538 ] الوصل مجرى الوقف. قال الشيخ : "وهذان لا يجوز أن يحمل عليهما مع وجود أرجح منهما، وهو البدل". قلت: الحق أحق أن يتبع، كيف يعدل إلى هذين الوجهين مع ظهور البدل معنى وصحة وصناعة؟ الزمخشري