الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 273 ] قال ( ومن أكرهه السلطان حتى زنى فلا حد عليه ) وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا يحد ، وهو قول زفر لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة وذلك دليل الطواعية . ثم رجع عنه فقال : لا حد عليه لأن سببه الملجئ قائم ظاهرا ، والانتشار دليل متردد لأنه قد يكون غير قصد لأن الانتشار قد يكون طبعا لا طوعا كما في النائم فأورث شبهة ، وإن أكرهه غير السلطان حد عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : لا يحد لأن الإكراه عندهما قد يتحقق من غير السلطان ; لأن المؤثر خوف الهلاك وأنه يتحقق من غيره . وله أن الإكراه من غيره لا يدوم إلا نادرا لتمكنه من الاستعانة بالسلطان أو بجماعة المسلمين ، ويمكنه دفعه بنفسه بالسلاح ، والنادر لا حكم له فلا يسقط به الحد ، بخلاف السلطان لأنه لا يمكنه الاستعانة بغيره ولا الخروج بالسلاح عليه فافترقا

التالي السابق


( قوله ومن أكرهه السلطان حتى زنى فلا حد عليه وكان أبو حنيفة أولا يقول يحد وهو قول زفر ) وهو قول أحمد ( لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة وهذا آية الطواعية ) فاقترن بالإكراه ما ينفيه قبل تحقق الفعل المكره عليه بحيث كان حال فعله إياه غير مكره فبطل أثر الإكراه السابق ووجب الحد ، بخلاف إكراه المرأة على الزنا فإنه بالتمكين وليس مع التمكين دليل الطواعية فلا تحد إجماعا ( ثم رجع أبو حنيفة فقال : لا يحد الرجل المكره أيضا لأن السبب الملجئ إلى الفعل قائم ظاهرا ) وهو قيام السيف ونحوه ، والانتشار لا يستلزم الطواعية بل هو محتمل له إذ يكون معه ويكون طبعا لقوة الفحولية . وقد يكون لريح تسفل إلى الحجر حتى يوجد من النائم ولا قصد منه فلا يترك أثر اليقين وهو الإكراه إلى المحتمل ( فإن أكرهه غير السلطان حد عند أبي حنيفة ) لعدم تحقق الإكراه من غيره فكان مختارا في الزنا ، وكذا عند زفر وأحمد لأنه ، وإن تحقق الإكراه من غير السلطان عندهما لكن قالا الانتشار دليل الطواعية فقالا يحد ( وقال أبو يوسف ومحمد لا يحد لتحقق الإكراه من غير السلطان ) والانتشار لا يستلزم الطواعية إلى آخر ما ذكرناه آنفا . قال المشايخ : وهذا اختلاف عصر وزمان ، ففي زمن أبي حنيفة ليس لغير السلطان من القوة ما لا يمكن دفعه بالسلطان ، وفي زمنهما ظهرت القوة لكل متغلب فيفتى بقولهما وعليه مشى صاحب الهداية في الإكراه حيث قال : والسلطان وغيره سيان عند تحقق القدرة على إيقاع ما توعد به




الخدمات العلمية