[ ص: 181 ] ومما يبين ذلك أن أمصار المسلمين الكبار التي فيها قطع كثيرة كبغداد كثيرة القطع، وليس من عمل المسلمين أن يصلوا في هذه القطعة على من مات في القطعة، فلم يعرف أن المسلمين كانوا مصر أو دمشق أو غيرهما على من مات بالمدينة وبالعكس، ولا عرف أنهم كانوا يصلون يصلون في قطعة بمصر على من مات بالقلعة وبالعكس، مع اشتمال هذه الأمصار على أئمة من أصحاب الشافعي وهم أهل الترخص في هذه المسألة، وإن لم يقل بهذا القول. وأحمد،
والأضعف الصلاة على الغائب جدا، فإنا قد علمنا أن المسلمين في جميع الأمصار لم يصلوا بمنى وعرفات على من مات بمكة وبالعكس، ولا كانوا يصلون بقباء والعوالي على من مات بالمدينة وبالعكس، وقد مات خلق كثير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء والعوالي ونحوهما، مما هو عن المدينة مثل مصر والقاهرة، وأبعد من دمشق والصالحية، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون يصلون في أحدهما على من مات في الآخر.
وأما الصلاة بمصر على من يموت بالقلعة أو بالقاهرة وبالعكس على المشهور - وهو منع - فمبني على ما ذكرناه في معنى البلد الواحد، هل المراد به ما خرج عن السور، أو ما يجب فيه الجمعة، أو مسافة العدوى؟ الصلاة في أحد جانبي البلد على من يموت في الآخر
فعلى المأخذ الأول يجوز ذلك، وعلى المأخذين الآخرين لا [ ص: 182 ] يجوز، فقد تبين مما ذكرناه على أن الصلاة بالقاهرة والقلعة على من مات بمصر وبالعكس لا تجوز عند جمهور العلماء، وتجوز عند بعضهم في مذهب الشافعي وأحمد.
وأما قول السائل: كم مقدار بعد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ النجاشي
فذلك كثير معروف، فإن كان النجاشي بالحبشة، وبينهما اليمن ثم تهامة، وهو مسافة كبيرة.
وأما قوله: هل النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة أو التابعين أو الأئمة صلى على الغائب في مقدار هذا البعد؟ فالجواب أنه لم ينقل ذلك عن أحد من هؤلاء، وغاية ما بلغنا في مثل ذلك ما ذكرناه من النزاع في جانبي بغداد، وكان هذا بعد الأئمة، وأما في زمن الشافعي فلم يبلغنا أن أحدا صلى في أحد جانبي وأحمد بن حنبل بغداد على من مات في الآخر، مع كثرة الموتى وتوفر الهمم والدواعي على نقل ذلك. فتبين أن ذلك محدث لم يفعله الأئمة.
وأما ما يفعله بعض الناس من أنه كل ليلة يصلي على جميع من مات من المسلمين، فلا ريب أيضا أنه بدعة لم يفعلها أحد من السلف، والله أعلم. [ ص: 183 ]