الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والمدعي من إذا ترك ) دعواه ( ترك ) أي لا يجبر عليها ( والمدعى عليه بخلافه ) أي يجبر عليها ، فلو في البلدة قاضيان كل في محلة فالخيار للمدعى عليه عند محمد به يفتى بزازية ولو القضاة في المذاهب الأربعة على الظاهر ، وبه أفتيت مرارا بحر . [ ص: 543 ] قال المصنف : ولو الولاية لقاضيين فأكثر على السواء فالعبرة للمدعي ، نعم لو أمر السلطان إجابة المدعى عليه لزم اعتباره لعزله بالنسبة إليها كما مر مرارا .

قلت : وهذا الخلاف فيما إذا كان كل قاض على محلة على حدة ، أما إذا كان في المصر حنفي وشافعي ومالكي وحنبلي في مجلس واحد أو ولاية واحدة فلا ينبغي أن يقع الخلاف في إجابة المدعي لما أنه صاحب الحق كذا بخط المصنف على هامش البزازية فليحفظ .

التالي السابق


( قوله فلو ) أشار به إلى أن الجبر في أصل الدعوى لا فيمن يدعي بين يديه والتفريع لا يظهر ط ، وفي بعض النسخ بالواو ( قوله في محلة ) أي بخصوصها وليس قضاؤه عاما ( قوله بزازية ) ليس ما ذكره عبارة البزازية وعبارتها كما في المنح : قاضيان في مصر طلب كل واحد منهما أن يذهب إلى قاضي فالخيار للمدعى عليه عند محمد وعليه الفتوى ا هـ .

وفي المنح قبل هذا عن الخانية : قال ولو كان في البلدة قاضيان كل واحد منهما في محلة على حدة فوقعت الخصومة بين رجلين أحدهما من محلة والآخر من محلة أخرى والمدعي يريد أن يخاصمه إلى قاضي محلته والآخر يأبى ذلك اختلف فيها أبو يوسف ومحمد . والصحيح أن العبرة لمكان المدعى عليه ، وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر والآخر من أهل البلدة ا هـ . وعلله في المحيط كما في البحر بأن أبا يوسف يقول : إن المدعي منشئ للخصومة فيعتبر قاضيه ، ومحمد يقول : إن المدعى عليه دافع لها ا هـ وإنما حمل الشارح عبارة البزازية على ما في الخانية من التقييد بالمحلة لما قاله المصنف في المنح ، هذا كله وكل عبارات أصحاب الفتاوى يفيد أن فرض المسألة التي وقع فيها الخلاف بين أبي يوسف ومحمد فيما إذا كان في البلدة قاضيان كل قاض في محلة . وأما إذا كانت الولاية لقاضيين أو لقضاة على مصر واحد على السواء فيعتبر المدعي في دعواه فله الدعوى عند أي قاض أراده إذ لا تظهر فائدة في كون العبرة للمدعي أو المدعى عليه ، ويشهد لصحة هذا ما قدمناه من تعليل صاحب المحيط ا هـ ورده الخير الرملي وادعى أن هذا بالهذيان أشبه ، وذكر أنه حيث كانت العلة لأبي يوسف أن المدعي منشئ للخصومة ولمحمد أن المدعى عليه دافع لها لا يتجه ذلك ، فإن الحكم دائر مع العلة ا هـ وهو الذي يظهر كما قال شيخنا .

وأقول : التحرير في هذه المسألة ما نقله الشارح عن خط المصنف ومشى عليه العلامة المقدسي كما نقله عنه أبو السعود .

وحاصله أن ما ذكروه من تصحيح قول محمد من أن العبرة لمكان المدعى عليه إنما هو فيما إذا كان قاضيان كل منهما في محلة وقد أمر كل منهما بالحكم على أهل محلته فقط بدليل قول العمادي : وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر والآخر من أهل البلد فأراد العسكري أن يخاصمه إلى قاضي العسكر فهو على هذا ولا ولاية لقاضي العسكر على غير الجندي فقوله ولا ولاية دليل واضح على ذلك . أما إذا كان منهما مأذونا بالحكم على أي من حضر عنده من مصري وشامي وحلبي وغيرهم كما في قضاة زماننا فينبغي التعويل على قول أبي يوسف لموافقته لتعريف المدعى عليه : أي فإن المدعي هو الذي له الخصومة فيطلبها قبل أي قاض أراد ، وبه ظهر أنه لا وجه لما في البحر من أنه لو تعدد القضاة في المذاهب الأربعة كما في القاهرة فالخيار للمدعى عليه حيث لم يكن القاضي من محلتهما ، قال : وبه أفتيت مرارا .

أقول : وقد رأيت بخط بعض العلماء نقلا عن المفتي أبي السعود العمادي أن قضاة الممالك المحروسة ممنوعون [ ص: 543 ] عن الحكم على خلاف مذهب المدعى عليه ا هـ وأشار إليه الشارح ( قوله قال المصنف ) فيه رد على البحر لأن قضاة المذاهب في زماننا ولايتهم على السواء في التعميم ( قوله على السواء ) أي في عموم الولاية ( قوله لعزله ) أي لعزل من اختاره المدعي عن الحكم بالنسبة إلى هذه الدعوى ( قوله كما مر ) من أن القضاء يتقيد ( قوله قلت ) مكرر مع ما قبله ( قوله على حدة ) أي لا يقضي على غير أهلها ( قوله في مجلس ) قيد اتفاقي ، والظاهر أنه أراد في بلدة واحدة ( قوله والولاية واحدة ) أي لم يخصص كل واحد بمحلة




الخدمات العلمية