الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو اشترى بعيرا فنحر فوجد أمعاءه فاسدا لا ) يرجع لإفساد ماليته ( كما ) لا يرجع ( لو باع المشتري الثوب ) كله [ ص: 20 ] أو بعضه أو وهبه ( بعد القطع ) لجواز رده مقطوعا لا مخيطا كما أفاده بقوله ( فلو قطعه ) المشتري ( وخاطه أو صبغه ) بأي صبغ كان عيني أو لت السويق بسمن أو خبز الدقيق أو غرس أو بنى ( ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه ) لامتناع الرد بسبب الزيادة لحق الشرع لحصول الربا حتى لو تراضيا على الرد لا يقضي القاضي به درر [ ص: 21 ] ابن كمال ( كما ) يرجع ( لو باعه ) أي الممتنع رده ( في هذه الصور بعد رؤية العيب ) قبل الرضا به صريحا أو دلالة ( أو مات العبد ) المراد هلاك المبيع عند المشتري ( أو أعتقه ) أو دبر أو استولد أو وقف قبل علمه بعيبه [ ص: 22 ]

التالي السابق


( قوله فاسدا ) الأولى فاسدة ( قوله لا يرجع لإفساد ماليته ) أشار به إلى الفرق بين هذه المسألة وما قلبها ، وهو أن النحر إفساد للمالية لصيرورة المبيع به عرضة للنتن والفساد ، ولذا لا يقطع السارق به فاختل معنى قيام المبيع كما في النهر ح وعدم الرجوع قول الإمام ، في الخانية وجامع الفصولين : لو اشترى بعيرا فلما أدخله داره سقط فذبحه فظهر عيبه يرجع بنقصانه عندهما وبه أخذ المشايخ كما لو أكل طعاما فوجد به عيبا ، ولو علم عيبه قبل الذبح فذبحه لا يرجع . ا هـ قال في البحر : وفي الواقعات : الفتوى على قولهما في الأكل فكذا هنا . ا هـ قال الخير الرملي : ويجب تقيد المسألة بما إذا نحره وحياته مرجوة ، أما إذا أيس من حياته فله الرجوع بالنقصان عند الإمام أيضا ; لأن النحر في هذه الحالة ليس إفسادا للمالية تأمل . ( قوله كما لا يرجع لو باع المشتري الثوب إلخ ) أي أخرجه عن ملكه والبيع مثال ، فعم ما لو وهبه أو أقر به لغيره ولا فرق بين ما إذا كان بعد رؤية العيب أو قبله . كما في الفتح وسواء كان ذلك لخوف تلفه أو لا ، حتى لو وجد السمكة المبيعة معيبة وغاب البائع لو انتظره لفسدت فباعها لم يرجع أيضا بشيء كما في القنية نهر .

ثم اعلم أن البيع ونحوه مانع من الرجوع بالنقصان سواء كان بعد حدوث عيب عند المشتري أو قبله ، إلا [ ص: 20 ] إذا كان بعد زيادة كخياطة ونحوها كما يأتي ، ولذا قال في المحيط ، ولو أخرج المبيع عن ملكه بحيث لا يبقى لملكه أثر ، بأن باعه أو وهبه أو أقر به لغيره ثم علم بالعيب لا يرجع بالنقصان ، وكذا لو باع بعضه ، وإن تصرف تصرفا لا يخرجه عن ملكه بأن آجره أو رهنه أو كان طعاما فطبخه أو سويقا فلته بسمن أو بنى في العرصة أو نحوه ثم علم بالعيب فإنه لا يرجع بالنقصان إلا في الكتابة بحر ، لكن في جامع الفصولين شراه فآجره فوجد عيبه فله نقض الإجارة ورده بعيبه ، بخلاف رهنه من غيره فإنه يرده بعد فكه . ا هـ ، والظاهر صلى الله عليه وسلم أن ما في المحيط من عدم رجوعه بالنقصان بعد الإجارة والرهن المراد به إذا رضيه البائع معيبا ، فحينئذ لا يرجع بل يرده تأمل ( قوله أو بعضه ) ظاهره أنه ليس له رد ما بقي لتعيبه بالقطع أو الشركة ، وكذا ليس له الرجوع بنقصان الباقي كما يفيده ما نقلناه عن المحيط . ثم رأيت في القهستاني : لو باع بعضه لم يرجع بالنقصان بحصة ما باع ، وكذا بحصة ما بقي على الصحيح ولم يرده عنده كما في المحيط . ا هـ .

وهذا بخلاف ما لو كان أثوابا فباع بعضها فإن له رد الباقي كما مر متنا قبيل هذا الباب وسيأتي أيضا في قوله اشترى عبدين إلخ ، وبخلاف ما لو كان المبيع طعاما ويأتي الكلام عليه ( قوله لجواز رده مقطوعا لا مخيطا ) يعني أن الرد بعد القطع غير ممتنع برضا البائع ، فلما باعه المشتري صار حابسا للمبيع بالبيع فلا يرجع بالنقصان لكونه صار مفوتا للرد ، بخلاف ما لو خاطه قبل العلم بالعيب ، ثم باعه فإنه لا يبطل الرجوع بالنقصان ; لأن الخياطة مانعة من الرد كما يأتي ، فبيعه بعد امتناع الرد لا تأثير له ; لأنه لم يصر حابسا له بالبيع كما أفاده الزيلعي وغيره ، والأصل كما في الذخيرة أنه في كل موضع أمكن المشتري رد المبيع القائم في ملكه على البائع برضاه أو بدونه ، فإذا أزاله عن ملكه ببيع أو شبهة لا يرجع بالنقصان وفي كل موضع لا يمكنه رده على البائع ، فإذا أزاله عن ملكه يرجع بالنقصان ونحوه في الزيلعي بنى عليه مسألة ما لو خاط الثوب لطفله وقد مرت ( قوله وخاطه ) أشار به مع ما عطف عليه إلى الزيادة المتصلة الغير المتولدة وقدمنا بيانها ( قوله بأي صبغ كان ) ولو أسود وعند أبي حنيفة السواد نقصان فيكون للبائع أخذه وهو اختلاف زمان . ا هـ ح ( قوله أو لت السويق بسمن ) أي خلطه به ، ومثله أو اتخذ الزيت المبيع صابونا وهي واقعة الحال رملي ( قوله أو غرس أو بنى ) أي في الأرض المبيعة ط ( قوله ثم اطلع على عيب ) أي في السويق أو الثوب بعد هذه الأشياء منح ، قال ح ، وهو يفيد أن الزيادة لو كانت بعد الاطلاع على العيب لا يرجع بالنقصان ووجهه ظاهر ، ويدل عليه أيضا قول مسكين ولم يكن عالما وقت الصبغ واللت . ا هـ .

( قوله بسبب الزيادة ) ; لأنه لا وجه للفسخ في الأصل دونها ; لأنها لا تنفك عنه ، ولا وجه إليه معها لحق الشرع إلخ ( قوله لحصول الربا ) فإن الزيادة حينئذ تكون فضلا مستحقا في عقد المعاوضة بلا مقابل وهو معنى الربا أو شبهه ، ولشبهة الربا حكم الربا فتح . وبه اندفع ما في الدر المنتقى عن الواني من قوله ، وفيه أن حرمة الربا بالقدر والجنس وهما مفقودان هاهنا فتأمل . ا هـ ، ويوضح الدفع قوله في العزمية إنه كلام غير محرر ، فإن [ ص: 21 ] الربا ليس بمنحصر عندهم في الصورة المذكورة ، لقولهم إن الشروط الفاسدة من الربا ، وهي في المعاوضات المالية وغيرها ; لأن الربا هو الفضل الخالي عن العوض وحقيقة الشروط الفاسدة هي زيادة ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ، ففيها فضل خال عن العوض وهو الربا كما في الزيلعي وغيره قبيل كتاب الصرف ( قوله أي الممتنع رده في هذه الصور ) أي صور الزيادة المتصلة من خياطة ونحوها . وأفاد أن امتناع الرد سابق على البيع بسبب الزيادة فتقرر بها الرجوع بالنقصان قبل البيع فيبقى له الرجوع بعد البيع أيضا وإن كان البيع بعد رؤية العيب قال في الفتح : وإذا امتنع الرد بالفسخ ، فلو باعه المشتري رجع بالنقصان ; لأن الرد لما امتنع لم يكن المشتري ببيعه حابسا له .

( قوله بعد رؤية العيب ) وكذا قبلها بالأولى ح ( قوله قبل الرضا به صريحا أو دلالة ) لم أر من ذكر هذا القيد هنا بعد مراجعة كثير من كتب المذهب ، وإنما رأيته في حواشي المنح للخير الرملي ذكره بعد قوله أو مات العبد وهو في محله كما تعرفه قريبا . أما هنا فلا محل له ; لأن العرض على البيع رضا بالعيب كما سيأتي ، وهنا وجد البيع حقيقة ولم يمتنع الرجوع بالنقصان لتقرر الرجوع قبله كما علمته آنفا فكأن الشارح رأى هذا القيد في حواشي شيخه فسبق قلمه فكتبه في غير محله فتأمل ( قوله أو مات العبد ) ; لأن الملك ينتهي بالموت ، والشيء بانتهائه يتقرر فكان بقاء الملك قائما والرد متعذر وذلك موجب للرجوع ، وتمامه في ح عن الفتح . قال في النهر : ولا فرق في هذا : أي موت العبد بين أن يكون بعد رؤية العيب أو قبلها . ا هـ ، لكن إذا كان الموت بعد رؤية العيب لا بد أن يكون قبل الرضا به صريحا أو دلالة كما ذكره الخير الرملي ووجهه ظاهر ; لأنه إذا رأى العيب وقال رضيت به أو عرضه على البيع أو استخدمه مرارا أو نحو ذلك مما يكون دلالة على الرضا امتنع رده والرجوع نقصانه ، لو بقي العبد حيا ، فكذا أو مات بالأولى .

( قوله المراد هلاك المبيع إلخ ) قال في النهر : ولو قال أو هلك المبيع لكان أفود ، إذ لا فرق بين الآدمي وغيره ، ومن ثم قال في الفصول : ذهب إلى بائعه ليرده بعيبه فهلك في الطريق هلك على المشتري ويرجع بنقصه وفي القنية : اشترى جدارا مائلا فلم يعلم به حتى سقط فله الرجوع بالنقصان . ا هـ . وفي الحاوي : اشترى أثوابا على أن كل واحد منها ستة عشر ذراعا فبلغ بها إلى بغداد فإذا هي ثلاثة عشر فرجع بها ليردها وهلكت في الطريق يرجع بنقصان القيمة في ظاهر المذهب ( قوله أو أعتقه ) قال في الهداية ، وأما الإعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع ; لأن الامتناع بفعله فصار كالقتل . وفي الاستحسان : يرجع ; لأن العتق إنهاء الملك ; لأن الآدمي ما خلق في الأصل محلا للملك وإنما ثبت الملك فيه مؤقتا إلى الإعتاق إنهاء كالموت ، وهذا ; لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد متعذر ، والتدبير والاستيلاد بمنزلته ; لأنه تعذر النقل مع بقاء المحل بالأمر الحكمي . ا هـ ح ( قوله أو وقف ) فإذا وقف المشتري الأرض ثم علم بالعيب رجع بالنقصان ، وفي جعلها مسجدا اختلاف ، والمختار الرجوع بالنقصان كما في جامع الفصولين : وفي البزازية : وعليه الفتوى ، وما رجع به يسلم إليه ; لأن النقصان لم يدخل تحت الوقف . ا هـ نهر ( قوله قبل علمه ) ظرف لأعتقه وما بعده . ا هـ ح . [ ص: 22 ] والحاصل أن هلاك المبيع ليس كإعتاقه ، فإنه إذا هلك المبيع يرجع بنقصان العيب سواء كان بعد العلم به أو قبله .

وأما الإعتاق بعد العلم به فمانع من الرجوع بنقصانه بخلافه قبله ، وليس إعتاقه كاستهلاكه فإنه إذا استهلكه فلا رجوع مطلقا إلا في الأكل عندهما بحر ط




الخدمات العلمية