الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصح ) القرض ( في مثلي ) هو كل ما يضمن بالمثل عند الاستهلاك ( لا في غيره ) من القيميات كحيوان وحطب وعقار وكل متفاوت لتعذر رد المثل . واعلم أن المقبوض بقرض فاسد كمقبوض ببيع فاسد سواء [ ص: 162 ] فيحرم الانتفاع به لا بيعه لثبوت الملك جامع الفصولين ( فيصح استقراض الدراهم والدنانير وكذا ) كل ( ما يكال أو يوزن أو يعد متقاربا فصح استقراض جوز وبيض ) وكاغد عددا ( ولحم ) وزنا وخبز وزنا وعددا كما سيجيء ( استقرض من الفلوس الرائجة والعدالي فكسدت فعليه مثلها كاسدة ) و ( لا ) يغرم ( قيمتها ) وكذا كل ما يكال ويوزن لما مر أنه مضمون بمثله فلا عبرة بغلائه ورخصه ذكره في المبسوط من غير خلاف وجعله في البزازية وغيرها قول الإمام وعند الثاني عليه قيمتها يوم القبض وعند الثالث قيمتها في آخر يوم رواجها وعليه الفتوى .

التالي السابق


( قوله في مثلي ) كالمكيل والموزون والمعدود المتقارب كالجوز والبيض . وحاصله : أن المثلي ما لا تتفاوت آحاده أي تفاوتا تختلف به القيمة فإن نحوه الجوز تتفاوت آحاده تفاوتا يسيرا ( قوله لتعذر رد المثل ) علة لقوله لا في غيره : أي لا يصح القرض في غير المثلي ، لأن القرض إعارة ابتداء ، حتى صح بلفظها معاوضة انتهاء ، لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه ، فيستلزم إيجاب المثلي في الذمة ، وهذا لا يتأتى في غير المثلي قال في البحر : ولا يجوز في غير المثلي ، لأنه لا يجب دينا في الذمة ويملكه المستقرض بالقبض كالصحيح والمقبوض بقرض فاسد يتعين للرد ، وفي القرض الجائز لا يتعين بل يرد المثل ، وإن كان قائما وعن أبي يوسف ليس له إعطاء غيره إلا برضاه وعارية ما جاز قرضه قرض وما لا يجوز قرضه عارية ا هـ أي قرض ما لا يجوز قرضه عارية من حيث إنه يجب رد عينه لا مطلقا لما علمت من أنه يملك بالقبض تأمل .

( قوله كمقبوض ببيع فاسد ) أي فيفيد الملك بالقبض كما علمت ، وفي جامع الفصولين القرض الفاسد يفيد الملك ، حتى لو استقرض بيتا فقبضه ملكه ، وكذا سائر الأعيان وتجب القيمة على المستقرض كما لو أمر بشراء قن بأمة المأمور ففعل فالقن للآمر [ ص: 162 ] قوله فيحرم إلخ ) عبارة جامع الفصولين ثم في كل موضع لا يجوز القرض لم يجز الانتفاع به لعدم الحل ، ويجوز بيعه لثبوت الملك كبيع فاسد ا هـ فقوله : ويجوز بيعه بمعنى يصح لا بمعنى يحل إذا لا شك في أن الفاسد يجب فسخه والبيع مانع من الفسخ فلا يحل كما لا يحل سائر التصرفات المانعة من الفسخ كما مر في بابه ، وبه تعلم ما في عبارة الشارح ( قوله وكاغد ) أي قرطاس ، وقوله : عددا قيد للثلاثة وما ذكره في الكاغد ذكره في التتارخانية ، ثم نقل بعده عن الخانية ولا يجوز السلم في الكاغد عددا لأنه عددي متفاوت ا هـ ولعل الثاني محمول على ما إذا لم يعلم نوعه وصفته .

( قوله كما سيجيء ) أي في باب الربا حيث قال : ويستقرض الخبز وزنا وعددا عند محمد ، وعليه الفتوى ابن مالك واستحسنه الكمال واختاره المصنف تيسيرا ا هـ . وفي التتارخانية قال أبو حنيفة : لا يجوز قرضه واستقراضه لا عددا ولا وزنا وفي رواية عن أبي يوسف مثله وقوله : المعروف أنه لا بأس به ، وعليه أفعال الناس جارية والفتوى على قول محمد ا هـ ملخصا ونقل في الهندية عن الخانية والظهيرية والكافي : أن الفتوى على جواز استقراضه وزنا لا عددا وهو قول الثاني ا هـ ولعله هو المراد بقوله المعروف وسيذكر استقراض العجين والخميرة .

( قوله والعدالي ) بفتح العين المهملة وتخفيف الدال المهملة ، وباللام المكسورة : وهي الدراهم المنسوبة إلى العدالي ، وكأنه اسم ملك نسب إليه درهم فيه غش كذا في صرف البحر عن البناية .

قلت : والمراد بها دراهم غالية الغش كما وقع التصريح به في الفتح وغيره بدل لفظ العدالي ، لأن غالبة الغش في حكم الفلوس من حيث إنها إنما صارت ثمنا بالاصطلاح على ثمنيتها فتبطل ثمنيتها بالكساد ، وهو ترك التعامل بها بخلاف ما كانت فضتها خالصة أو غالبة ، فإنها أثمان خلقة فلا تبطل ثمنيتها بالكساد كما حققناه أول البيوع عند قوله : وصح بثمن حال ومؤجل ( قوله فعليه مثلها كاسدة ) أي إذا هلكت وإلا فيرد عينها اتفاقا كما في صرف الشرنبلالية وفيه كلام سيأتي ( قوله فلا عبرة بغلائه ورخصه ) فيه أن الكلام في الكساد ، وهو ترك التعامل بالفلوس ونحوها كما قلنا ، والغلاء والرخص غيره ، وكأنه نظر إلى اتحاد الحكم فصح التفريع تأمل .

وفي كافي الحاكم لو قال : أقرضني دانق حنطة فأقرضه ربع حنطة ، فعليه أن يرد مثله وإذا استقرض عشرة أفلس ، ثم كسدت لم يكن عليه إلا مثلها في قول أبي حنيفة ، وقالا : عليه قيمتها من الفضة يستحسن ذلك وإن استقرض دانق فلوس أو نصف درهم فلوس ، ثم رخصت أو غلت لم يكن عليه إلا مثل عدد الذي أخذه ، وكذلك لو قال أقرضني عشرة دراهم غلة بدينار ، فأعطاه عشرة دراهم فعليه مثلها ، ولا ينظر إلى غلاء الدراهم ، ولا إلى رخصها ، وكذلك كل ما يكال ويوزن فالقرض فيه جائز ، وكذلك ما يعد من البيض والجوز ا هـ وفي الفتاوى الهندية : استقرض حنطة فأعطى مثلها بعدما تغير سعرها يجبر المقرض على القبول ( قوله وجعله ) أي ما في المتن من قوله فعليه مثلها .

( قوله وعند الثاني إلخ ) حاصله أن الصاحبين اتفقا على وجوب رد القيمة دون المثل ، لأنه لما بطل وصف الثمنية بالكساد تعذر رد عينها كما قبضها فيجب رد قيمتها ، وظاهر الهداية اختيار قولهما فتح [ ص: 163 ] ثم إنهما اختلفا في وقت الضمان قال في صرف الفتح : وأصله اختلافهما فيمن غصب مثليا فانقطع فعند أبي يوسف تجب قيمته يوم الغصب ، وعند محمد : يوم القضاء وقولهما : أنظر للمقرض من قول الإمام ، لأن في رد المثل إضرار به ثم قول أبي يوسف : أنظر له أيضا ، لأن قيمته يوم القرض أكثر من يوم الانقطاع وهو أيسر أيضا فإن ضبط وقت الانقطاع عسر ا هـ ملخصا . ولم يذكر حكم الغلاء والرخص ، وقدمنا أول البيوع أنه عند أبي يوسف تجب قيمتها يوم القبض أيضا ، وعليه الفتوى كما في البزازية والذخيرة والخلاصة ، وهذا يؤيد ترجيح قوله في الكساد أيضا وحكم البيع كالقرض ، إلا أنه عند الإمام يبطل البيع ، وعند أبي يوسف لا يبطل وعليه قيمتها يوم البيع في الكساد والرخص والغلاء كما قدمناه أول البيوع .




الخدمات العلمية