الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والبخر ) نتن الفم ( والدفر ) نتن الإبط ، وكذا نتن الأنف بزازية ( والزنا والتولد منه ) كلها عيب ( فيها ) لا فيه ولو أمرد في الأصح خلاصة ( إلا أن يفحش الأولان فيه ) بحيث يمنع القرب من المولى ( أو يكون الزنا عادة له ) بأن يتكرر أكثر من مرتين ، واللواطة بها عيب مطلقا ، وبه إن مجانا ; لأنه دليل الأبنة ، وإن بأجر لا قنية . وفيها : شرى حمارا تعلوه الحمر إن طاوع فعيب وإلا لا ، وأما التخنث بلين صوت وتكسر مشي فإن كثر رد ، لا إن قل بزازية ( والكفر ) بأقسامه وكذا الرفض والاعتزال بحر بحثا [ ص: 12 ] عيب ( فيهما ) ولو المشتري ذميا سراج ( وعدم الحيض ) لبنت سبعة عشر وعندهما خمسة عشر ، ويعرف بقولها إذا انضم إليه نكول البائع قبل القبض وبعده هو الصحيح ملتقى . [ ص: 13 ] ولا تسمع في أقل من ثلاثة أشهر عند الثاني [ ص: 14 ]

التالي السابق


( قوله والبخر ) بالموحدة المفتوحة والخاء المعجمة من حد تعب . أما بالجيم فانتفاخ ما تحت السرة ، وهو عيب في الغلام أيضا . وفي الفتح : البخر الذي هو العيب الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون لقلح في الأسنان فإن ذلك يزول بتنظيفها . ا هـ نهر : والقلح بالقاف والحاء المهملة محركا : صفرة الأسنان كما في القاموس ، وهذا أولى مما قيل إنه بالفاء والجيم : وهو تباعد ما بين الأسنان ( قوله والدفر ) بفتح الدال المهملة والفاء وسكونها أيضا ، أما بالذال المعجمة فبفتح الفاء لا غير ، وهو حدة من طيب أو نتن . قال في العناية : منه قولهم مسك أذفر وإبط ذفر ، وهو مراد الفقهاء من قولهم : الذفر عيب في الجارية . ا هـ وأصله في المغرب إلا أن كونه مراد الفقهاء لا غير فيه نظر ، إذ لا يشترط في كونه عيبا شدته ، فالأولى كونه بالمهملة فتدبر نهر ( قوله وكذا نتن الأنف ) الظاهر أنه يقال فيه ذفر بالمعجمة ونتن ريح الإبط بها نهر ( قوله كلها عيب فيها لا فيه ) أي في الجارية لا في الغلام ; لأن الجارية قد يراد منها الاستفراش ، وهذه المعاني تمنع منه بخلاف الغلام ; لأنه للاستخدام ، وكذا التولد من الزنا ; لأن الولد يعير بالأم التي هي ولد الزنا كما في العزمية عن المعراج ( قوله خلاصة ) نص عبارتها : والأصح أن الأمرد وغيره سواء . ا هـ ، وبه سقط ما في حاشيةنوح أفندي والواني أنه في الخلاصة جعل البخر في الغلام الأمرد عيبا فتدبر .

( قوله بأن يتكرر ) ; لأن اتباعهن مخل بالخدمة درر ( قوله واللواطة بها ) أي بالمرأة بأن كانت تطلب من الناس ذلك ( قوله عيب مطلقا ) أي مجانا أو بأجرة ; لأنه يفسد الفراش بحر ( قوله وبه إن مجانا ) الظاهر تقييده بما إذا تكرر ( قوله ; لأنه دليل الأبنة ) في القاموس : الأبنة بالضم العقدة في العود ، والعيب . ا هـ والمراد هنا عيب خاص ، وهو داء في الدبر تنفعه اللواطة ( قوله والكفر ) ; لأن طبع المسلم ينفر عن صحبته ولأنه يمنع صرفه في بعض الكفارات فتختل الرغبة ، فلو اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما لا يرد ; لأنه زوال العيب هداية . زاد في الشرنبلالية : أي ولو كان المشتري كافرا ذكره في المنبع شرح المجمع والسراج الوهاج كذا بخط العلامة الشيخ علي المقدسي . ا هـ أي ; لأن الإسلام خير محض وإن شرط المشتري الكافر عدمه ( قوله بحر بحثا ) حيث قال : ولم أر ما لو وجده خارجا عن مذهب السنة كالمعتزلي والرافضي ، وينبغي أن يكون كالكافر ، ; لأن السني ينفر عن صحبته وربما قتله الرافضي ; لأن الرافضة يستحلون قتلنا . ا هـ . وأنت خبير بأن الصحيح في المعتزلة والرافضة وغيرهم من المبتدعة أنه لا يحكم بكفرهم وإن سبوا الصحابة أو استحلوا قتلنا بشبهة دليل كالخوارج الذين استحلوا قتل الصحابة ، بخلاف الغلاة منهم كالقائلين بالنبوة لعلي والقاذفين للصديقة فإنه ليس لهم شبهة دليل فهم كفار كالفلاسفة كما بسطناه في كتابنا [ تنبيه الولاة والحكام على حكم شاتم خير الأنام ] وقدمنا بعضه في باب الردة . وبه ظهر أن مراد البحر غير الكافر منهم ولذا شبهه بالكافر ، وبه سقط اعتراض [ ص: 12 ] النهر بأن الرافضي الساب للشيخين داخل في الكافر ، وكذا ما أجاب به بعضهم من أن مراد البحر المفضل لا الساب فافهم .

( قوله عيب فيهما ) أي في الجارية والغلام ( قوله ولو المشتري ذميا سراج ) عبارة السراج على ما في البحر الكفر عيب ، ولو اشتراها مسلم أو ذمي . قال البحر : وهو غريب في الذمي . ا هـ وكذا قال في النهر : ولم أره في كلام غير السراج ، كيف ولا نفع للذمي بالمسلم ; لأنه يجبر على إخراجه عن ملكه . ا هـ يعني أنه لو ظهر مشري الذمي مسلما ليس له الرد كما قدمناه مع أنه لا يمكن من إبقائه على ملكه فإذا ظهر كافرا يكون عدم الرد بالأولى ; لأنه يبقى على ملكه فهو أنفع له من المسلم فكيف يكون كفره عيبا في حق الذمي دون إسلامه ، وهذا تقرير كلامه فافهم . وقد يجاب بأن الإسلام نفع محض شرعا وعقلا فلا يكون عيبا في حق أحد أصلا ، بخلاف الكفر فإنه أقبح العيوب شرعا وعقلا فهو عيب محض في حق الكل ، ولذا قال المصنف في المنح بعدما مر عن البحر :

أقول : ليس بغريب ، لما علم أن العيب ما ينقص الثمن عند التجار ، ولا شك أن الكفر بهذه المثابة ; لأن المسلم ينفر عنه وغيره لا يرغب في شرائه لعدم الرغبة فيه من الكل وهو أقبح العيوب ; لأن المسلم ينفر عن صحبته ولا يصلح للإعتاق في بعض الكفارات فتختل الرغبة . ا هـ .

قلت : ويؤيده أنها لو ظهرت مغنية له الرد مع أن بعض الفسقة يرغب فيها ويزيد في ثمنها ; لأنه عيب شرعا ، وكذا لو ظهر الأمرد أبخر ليس له الرد مع أنه عيب عند بعض الفسقة ، لكنه ليس بعيب شرعا ، ; لأنه لا يخل بالاستخدام وإن أخل بغرض المشتري الفاسق ، نعم يشكل عليه ما في الخانية : يهودي باع يهوديا زيتا وقعت فيه قطرات خمر جاز البيع ، وليس له الرد ; لأن هذا ليس بعيب عندهم . ا هـ تأمل ( قوله وعدم الحيض ) ; لأن ارتفاع الدم واستمراره علامة الداء ; لأن الحيض مركب في بنات آدم ، فإذا لم تحض فالظاهر أنه لداء فيها وذلك الداء هو العيب ، وكذا الاستحاضة لداء فيها زيلعي ( قوله وعندهما خمسة عشر ) وبقولهما يفتى ط فانقطاع الحيض لا يكون عيبا إلا إذا كان في أوانه ، أما انقطاعه في سن الصغر أو الإياس فلا اتفاقا كما في البحر عن المعراج . قال في النهر : ويجب أن يكون معناه إذا اشتراها عالما بذلك . وفي المحيط : اشتراها على أنها تحيض فوجدها لا تحيض إن تصادقا على أنها لا تحيض بسبب الإياس فله الرد ; لأنه عيب ; لأنه اشتراها للحبل والآيسة لا تحبل . ا هـ .

قلت : ما في المحيط ظاهر ; لأنه حيث اشترط حيضها كان فوات الوصف المرغوب أما إذا لم يشترطه فالظاهر أنها لا ترد ; لما قدمناه عن البزازية : لو وجد الدابة كبيرة السن لا ترد إلا إذا شرط صغرها فتدبر . وفي القنية : وجدها تحيض كل ستة أشهر مرة فله الرد ( قوله ويعرف بقولها إلخ ) قال في الهداية : ويعرف ذلك بقول الأمة فترد إذا انضم إليه نكول البائع قبل القبض وبعده هو الصحيح . ا هـ ومثله في متن الملتقى . وذكر الزيلعي تبعا للنهاية وغيرها من شروح الهداية أنه لا تسمع دعواه بأنه ارتفع حيضها إلا إذا ذكر سببه وهو الداء أو الحبل فما لم يذكر أحدهما لا تسمع دعواه ، ويعرف ذلك بقول الأمة ; لأنه لا يعرفه غيرها ويستحلف البائع مع ذلك فترد بنكوله لو بعد القبض ، وكذا قبله في الصحيح .

وعن أبي يوسف ترد بلا يمين البائع . قالوا في ظاهر الرواية : لا يقبل قول الأمة فيه كما في الكافي ، والمرجع في الحبل إلى قول النساء ، وفي الداء إلى قول الأطباء ، واشترط لثبوت [ ص: 13 ] العيب قول عدلين منهم . ا هـ ملخصا واعترضهم في الفتح بأن اشتراط ذكر السبب مناف لتقرير الهداية بأنه يعرف بقول الأمة ، وكذا قال العتابي وغيره ، وهو الذي يجب أن يعول عليه إذ لو لزم دعوى الداء أو الحبل لم يتصور أن يثبت بقولها توجه اليمين على البائع ، بل لا يرجع إلا إلى قول الأطباء أو النساء ، ولذا لم يتعرض له فقيه النفس قاضي خان . فظهر أن اشتراطه قول مشايخ آخرين يغلب على الظن خطؤهم ا هـ ملخصا . واعتراضه في البحر بأن قاضي خان صرح أولا بالاشتراط نقلا عن الإمام ابن الفضل ، ثم نقل عنه أيضا بعد صفحة ما عزاه صاحب الفتح إلى الخانية : ولا منافاة بين قولهم يعتبر قول الأمة وقولهم والمرجع إلى النساء في الحبل وإلى الأطباء في الداء ; لأن الأول إنما هو لأجل انقطاع الدم لتتوجه الخصومة إلى البائع ، فإذا توجهت إليه بقولها وعين المشتري أنه عن حبل رجعنا إلى النساء العالمات بالحبل لتتوجه اليمين على البائع ، وإن عين أنه عن داء رجعنا إلى قول الأطباء كذلك كما لا يخفى ا هـ لكن قال في النهر : ورأيت في المحيط أن اشتراط ذكر السبب رواية النوادر ، وعليه يحمل ما في الخانية . ا هـ .

ومقتضاه تعيين الرجوع إلى قول الأمة لكن ينافيه ما مر من قوله قالوا ظاهر الرواية أنه لا يقبل قولها فيه ، إلا أن يقال إن لفظ قالوا يشير إلى الضعف ونقل العلامة المقدسي عن الرئيس الشيخ قاسم أنه ذكر عبارتي الخانية وقال إن الثانية أي التي اقتصر عليها في الفتح أوجه .

قلت : وهذا ترجيح منه لما اختاره في الفتح وإليه يشير كلام النهر أيضا .



[ تنبيه ] في صفة الخصومة في ذلك . أما على ما ذكره الشراح فهي أنه بعد بيان السبب والرجوع إلى النساء أو الأطباء ومضي المدة الآتي بيانها يسأل القاضي البائع ، فإن صدق المشتري ردها عليه ، وإن قال هي كذلك للحال ، وما كانت كذلك عندي توجهت الخصومة على البائع لتصادقهما على قيامه للحال فللمشتري تحليفه ، فإن حلف برئ وإلا ردت عليه ، وإن أنكر الانقطاع للحال لا يستحلف عنده ، وعندهما يستحلف . قال في النهاية : ويجب كونه على العلم بالله ما يعلم انقطاعه عند المشتري وتعقبه في الفتح بأنه لو حلف كذلك لا يكون إلا بارا ، إذ من أين يعلم أنها لم تحض عند المشتري . ا هـ . وأما صفتها على ما صححه في الفتح فقال بأن يدعي الانقطاع للحال ووجوده عند البائع ، فإن اعترف البائع به ردت عليه ، وإن اعترف به للحال وأنكر وجوده عنده استخبرت الجارية ، فإن ذكرت أنها منقطعة ، اتجهت الخصومة فيحلفه بالله ما وجد عنده ، فإن اعترف البائع به ردت عليه ، وإن اعترف بوجوده عنده وأنكر الانقطاع للحال فاستخبرت فأنكرت الانقطاع لا يستحلف عنده ، وعندهما يستحلف . ا هـ ( قوله ولا تسمع في أقل من ثلاثه أشهر عند الثاني ) اعلم أن الزيلعي ذكر هنا أيضا تبعا لشراح الهداية أنه لو ادعى انقطاعه في مدة قصيرة لا تسمع دعواه ، وفي المديدة تسمع ، وأقلها ثلاثه أشهر عند أبو يوسف ، وأربعة أشهر وعشر عند محمد . وعن أبي حنيفة وزفر أنها سنتان . ا هـ ، وفي رواية تسمع دعوى الحبل بعد شهرين وخمسة أيام ، وعليه عمل الناس بزازية وغيرها . وذكر في البحر أن ابتداء المدة من وقت الشراء . ورجح في الفتح ما في الخانية من تقديرها بشهر . ورد عليه في البحر بأنه خبط عجيب وغلط فاحش ; لأنه لا اعتبار بما في الخانية مع صريح النقل عن أئمتنا الثلاثة ، وأقره في النهر .

قلت : وهو مدفوع ، فقد قال في الذخيرة : أما إذا ادعى المشتري انقطاع حيضها وأراد ردها بهذا السبب لا يوجد لهذا رواية في المشاهير ، ثم قال بعد كلام : ويحتاج بعد هذا إلى بيان الحد الفاصل بين المدة اليسيرة والكثيرة قالوا : ويجب أن يكون هذا كمسألة مدة الاستبراء إذا انقطع الحيض ، والروايات فيها مختلفة ثم ذكر الروايات [ ص: 14 ] السابقة فعلم أن ما ذكروه هنا من المدة إنما ذكروه بطريق القياس على مسألة استبراء ممتدة الطهر ، وقد نبه على ذلك المحقق صاحب الفتح ، ورد القياس بإبداء الفارق بين المسألتين فإنه نقل ما في الخانية من تقدير المدة بشهر ثم قال : وينبغي أن يعول عليه ، وما تقدم هو خلاف بينهم في استبراء ممتدة الطهر ، والروايات هناك تستدعي ذلك الاعتبار ، فإن الوطء ممنوع شرعا إلى الحيض لاحتمال الحبل فيكون ماؤه ساقيا زرع غيره ، فقدره أبو حنيفة وزفر بسنتين ; لأنه أكثر مدة الحمل وهو أقيس وقدره محمد وأبو حنيفة في رواية بعدة الوفاة ; لأنه يظهر فيها الحبل غالبا وأبو يوسف بثلاثه أشهر ; لأنها عدة من لا تحيض وفي رواية عن محمد : شهران وخمسة أيام وعليه الفتوى ، والحكم هنا ليس إلا كون الامتداد عيبا فلا يتجه إناطته بسنتين أو غيرهما من المدد ، ا هـ ملخصا فقد ظهر لك أنه لا يصح في مسألتنا دعوى النقل عن أئمتنا الثلاثة ; لأن المنقول عنهم ذلك إنما هو في مسألة الاستبراء المذكورة أما مسألة العيب فلا ذكر لها في المشاهير ، وإنما اختلف المشايخ فيها قياسا على مسألة الاستبراء والإمام فقيه النفس قاضي خان اختار تقدير المدة بشهر لتتوجه الخصومة بالعيب المذكور ; لأنه يظهر للقوابل أو للأطباء في شهر فلا حاجة إلى الأكثر ، ورجحه خاتمة المحققين وهو من أهل الترجيح ، فالقول بأنه خبط عجيب هو العجيب ، فاغتنم هذا التحقيق ، والله تعالى ولي التوفيق .




الخدمات العلمية