الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو أعتقه على مال ) أو كاتبه ( أو قتله ) أو أبق أو أطعمه طفله أو امرأته أو مكاتبه أو ضيفه مجتبى بعد اطلاعه على عيب ، كذا ذكره المصنف [ ص: 25 ] تبعا للعيني في الرمز ، لكن ذكر في المجمع في الجميع قبل الرؤية وأقره شراحه حتى العيني ، فيفيد البعدية بالأولوية فتنبه ( لا ) يرجع بشيء لامتناع الرد بفعله ، والأصل أن كل موضع للبائع أخذه معيبا لا يرجع بإخراجه عن ملكه ، وإلا رجع اختيار . وفيه الفتوى على قولهما في الأكل وأقره القهستاني . ( شرى نحو بيض وبطيخ ) كجوز وقثاء ( فكسره فوجده فاسدا ينتفع به ) ولو علفا للدواب ( فله ) إن لم يتناول منه شيئا بعد علمه بعيبه ( نقصانه ) إلا إذا رضي البائع به ، ولو علم بعيبه قبل كسره فله رده ( وإن لم ينتفع به أصلا [ ص: 26 ] فله كل الثمن ) لبطلان البيع ، ولو كان أكثره فاسدا جاز بحصته عندهما نهر . وفي المجتبى : لو كان سمنا ذائبا فأكله ثم أقر بائعه بوقوع فأرة فيه رجع بنقصان العيب عندهما ، وبه يفتى .

التالي السابق


( قوله ولو أعتقه على مال ) أي لا يرجع ; لأنه حبس بدله ، وحبس البدل كحبس المبدل . وعنه أنه يرجع ; لأنه إنهاء للملك وإن كان بعوض ح ، عن الهداية . وعند أبي يوسف يرجع في هذه المسائل ( قوله أو كاتبه ) هي بمعنى الإعتاق على مال كما في البحر ، والكلام فيه مغن عن الكلام فيها ح ( قوله أو قتله ) هو ظاهر الرواية عن أصحابنا ، ووجهه أن القتل لم يعهد شرعا إلا مضمونا ، وإنما سقط عن المولى بسبب الملك فصار كالمستفيد به عوضا ، وهو سلامة نفسه عن القتل إن كان عمدا أو الدية إن كان خطأ فكأنه باعه نهر ( قوله طفله ) ليس بقيد ، بل المصرح به في البحر والفتح الولد الصغير والكبير والعلة وهي أهلية الملك كما قدمناه تشملهما . ا هـ ح

( قوله كذا ذكره المصنف ) حيث قال ، فلو أعتقه على مال أو قتله بعد اطلاعه على عيب ، وقال محشيه الرملي : صوابه قبل اطلاعه إذ هو محل الخلاف إذ بعده [ ص: 25 ] لا يرجع إجماعا ، ولهذا لم يقيد به الزيلعي وأكثر الشراح ، وكأنه تبع العيني فيه وهو سهو ( قوله في الرمز ) أي شرح الكنز ( قوله لكن ذكر في المجمع في الجميع ) أي في جميع المسائل المذكورة ، وهي : العتق على مال والكتابة والإباق وهذا هو الصواب ، لما علمت من أنه لا رجوع إجماعا لو بعد الاطلاع على العيب ، لا لما قيل من أنه يلزم أن لا يبقى فرق بين هذه المسائل والمسائل المتقدمة فإنه ممنوع ، إذ الفرق واضح وهو ثبوت الرجوع في المسائل المتقدمة وعدمه في هذه إجماعا فافهم ( قوله حتى العيني ) أي في شرحه على نظم المجمع ، أي فناقض كلامه في الرمز ( قوله بالأولوية ) أي لأنه إذا امتنع الرجوع إذا كانت هذه الأشياء قبل الاطلاع على العيب يمتنع بعد الاطلاع بالأولى ; لأنها دليل الرضا ، ( قوله والأصل إلخ ) قدمنا بيانه عند قوله لجواز رده مقطوعا لا مخيطا وقدمنا هناك بناءه على أصل آخر ( قوله وفيه إلخ ) مكرر مع ما قدمه قريبا ح ( قوله فوجده فاسدا إلخ ) لو قال فوجده معيبا لكان أولى ; لأن من عيب الجوز قلة لبه وسواده كما في البزازية ، وصرح في الذخيرة بأنه عيب لا فساد واحترز بقوله فوجده أي المبيع عما إذا كسر البعض فوجده فاسدا فإنه يرده أو يرجع بنقصه فقط ولا يقيس الباقي عليه ، ولذا قال في الذخيرة ولا يرد الباقي إلا أن يبرهن أن الباقي فاسد . ا هـ أفاده في البحر ، وقوله فإنه يرده إلخ أي يرد ما كسره لو غير منتفع به أو يرجع بنقصه فقط لو ينتفع به ( قوله إن لم يتناول منه شيئا ) فلو كسره فذاقه ثم تناول منه شيئا لم يرجع بنقصانه لرضاه به ، وينبغي جريان الخلاف فيما لو أكل الطعام بحر ، وأصل البحث للزيلعي . واعترضه ط بأن الخلاف في الطعام إذا علم بالعيب بعد الأكل لا قبله ( قوله نقصانه ) أي له نقصان عيبه لا رده ; لأن الكسر عيب حادث بحر وغيره .

قلت : الكسر في الجوز يزيد في ثمنه ، فهو زيادة لا عيب تأمل . ( قوله إلا إذا رضي البائع به ) أي بأخذه معيبا بالكسر ، فلا رجوع للمشتري بنقصانه ( قوله ولو علم ) أي المشتري بعيبه قبل كسره : أي ولم يكسره . قال في النهر : فلو كسره بعد العلم بالعيب لا يرد ; لأنه صار راضيا . ا هـ ونبه على ذلك الزيلعي أيضا فقال لا يرده ولا يرجع بالنقصان ، ; لأن كسره بعد العلم به دليل الرضا انتهى ، لكن الزيلعي ذكر هذا بعد قوله وإن لم ينتفع به أصلا ، واعترض بأن محله هنا ; لأنه إن لم ينتفع به أصلا يرده . ويرجع بكل الثمن ( قوله وإن لم ينتفع به أصلا ) بأن كان البيض منتنا والقثاء مرا والجوز خاويا ، وما في العيني أو مزنخا ففيه نظر ; لأنه يأكله الفقراء نهر .

قلت : وكذا ينتفع به باستخراج دهنه ، لكن هذا لو كان كثيرا ، بل قد يقال ولو قليلا ; لأنه يباع [ ص: 26 ] لمن يستخرج دهنه فيكون له قيمة إلا أن يكون جوزة أو جوزتين مثلا ( قوله فله كل الثمن إلخ ) ; لأنه تبين بالكسر أنه ليس بمال ، فكأن البيع باطلا قبل هذا صحيح في الجوز الذي لا قيمة لقشره . أما إذا كان له قيمة بأن كان في موضع يباع فيه قشره يرجع بحصة اللب فقط ، وقيل يرده ويرجع بكل الثمن ; لأن ماليته باعتبار اللب ، وظاهر الهداية يفيد ترجيحه ، وكذا في البيض . أما بيض النعامة إذا وجد فاسدا بعد الكسر فإنه يرجع بنقصان العيب . قال في العناية : وعليه جرى في الفتح أن هذا يجب أن يكون بلا خلاف ; لأن مالية بيض النعامة قبل الكسر باعتبار القشر وما فيه جميعا . قال ابن وهبان : وينبغي أن يفصل ، بأن يقال هذا في موضع يقصد فيه الانتفاع بالقشر . أما إذا كان لا يقصد الانتفاع إلا بالمح بأن كان في برية والقشر لا ينتقل كان كغيره قال الشيخ عبد البر : ولا يخفى عليك فساد هذا التفصيل ، فإن هذا القشر مقصود بالشراء في نفسه ينتفع به في سائر المواضع ، وما ذكره لا ينهض ; لأنه قد يتفق في كثير مما اتفقوا على صحة بيعه ولا يكون ذلك موجبا لفساد البيع . ا هـ نهر ( قوله ولو كان أكثره فاسدا جاز بحصته ) أي بحصة الصحيح منه ، وهذا عندهما وهو الأصح كما في الفتح . وكذا في النهر عن النهاية : أما عنده فلا يصح في الصحيح منه أيضا ; لأنه كالجمع بين الحر والعبد في صفقة واحدة . ووجه الأصح كما في الزيلعي أنه بمنزلة ما لو فصل ثمنه ; لأنه ينقسم ثمنه على أجزائه كالمكيل والموزون لا على قيمته . ا هـ أي بخلاف الحر مع العبد .

[ تنبيه ] عبر بالأكثر تبعا للعيني واعترض بأنه مختل ، والصواب تعبير النهر وغيره بالكثير . قلت : وهو مدفوع ; لأنه إذا صح فيما يكون أكثره فاسدا يصح فيما يكون الكثير منه فاسدا بالأولى فافهم ، نعم الأولى التعبير بالكثير ليفيد صحة البيع في الكل إذا كان الفاسد منه قليلا ; لأنه لا يمكن التحرز عنه ، إذ لا يخلو عن قليل فاسد فكان كقليل التراب في الحنطة فلا يرجع بشيء أصلا ، وفي القياس يفسد كما في الفتح قال في النهر والقليل ما لا يخلو عنه الجوز عادة كالواحد والاثنين في المائة ، كذا في الهداية ، وهو ظاهر في أن الواحد في العشرة كثير ، وبه صرح في القنية . وقال السرخسي : الثلاثة عفو يعني في المائة . ا هـ وفي البحر : القليل الثلاثة وما دونها في المائة والكثير ما زاد . ا هـ . وفي الفتح : وجعل الفقيه أبو الليث الخمسة والستة في المائة من الجوز عفوا . ا هـ . مطلب وجد في الحنطة ترابا [ فرع ] اشترى أقفزة حنطة أو سمسم فوجد فيه ترابا ، إن كان يوجد مثله في ذلك عادة لا يرد ، وإلا فإن أمكنه رد كل المبيع يرده ، ولو أراد حبس الحنطة ورد التراب أو المعيب مميزا ليس له ذلك فإن ميز التراب وأراد أن يخلطه ويرد إن أمكنه الرد على ذلك الكيل رده وإلا بأن نقص من ذلك الكيل شيء لا ورجع بنقصان الحنطة إلا أن يرضى البائع بأخذها ناقصة بزازية وفي الخانية : لو لم يعد ذلك التراب عيبا فلا رد ، وإلا فإن لم يفحش يرد ، وإن فحش خير المشتري بين أخذ الحنطة بحصتها من الثمن أو ردها وأخذ كل الثمن ( قوله وفي المجتبى إلخ ) هذه من أفراد مسألة الأكل السابقة ط فكان الأولى ذكرها هناك




الخدمات العلمية