الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 613 ] ( وإن أقر المريض لوارثه ) بمفرده أو مع أجنبي بعين أو دين ( بطل ) خلافا للشافعي رضي الله تعالى عنه : ولنا حديث { لا وصية لوارث ولا إقرار له بدين } ( إلا أن يصدقه ) بقية الورثة فلو لم يكن وارث آخر أو أوصى لزوجته أو هي له صحت الوصية وأما غيرهما فيرث الكل فرضا وردا فلا يحتاج لوصية شرنبلالية وفي شرحه للوهبانية أقر بوقف ، ولا وارث له فلو على جهة عامة صح بتصديق السلطان أو نائبه وكذا لو وقف خلافا لما زعمه الطرسوسي فليحفظ ( ولو ) كان ذلك إقرارا ( بقبض دينه أو غصبه أو رهنه ) ونحو ذلك ( عليه ) أي على وارثه أو عبد وارثه أو مكاتبه لا يصح [ ص: 614 ] لوقوعه لمولاه ولو فعله ثم برئ ثم مات جاز كل ذلك لعدم مرض الموت اختيار ولو مات المقر له ثم المريض وورثة المقر له من ورثة المريض جاز إقراره كإقراره للأجنبي بحر وسيجيء عن الصيرفية ( بخلاف إقراره ) له أي لوارثه ( بوديعة مستهلكة ) فإنه جاز . وصورته أن يقول : كانت عندي وديعة لهذا الوارث فاستهلكتها جوهرة . والحاصل : أن الإقرار للوارث موقوف إلا في ثلاث مذكورة في الأشباه منها إقراره بالأمانات كلها [ ص: 615 ] ومنها النفي كلاحق لي قبل أبي أو أمي ، وهذه الحيلة في إبراء المريض وإرثه ، ومنه هذا الشيء الفلاني ملك أبي أو أمي كان عندي عارية ، وهذا حيث لا قرينة ، وتمامه فيها فليحفظ فإنه مهم .

التالي السابق


( قوله : أو مع أجنبي ) قال في نور العين أقر لوارثه ولأجنبي بدين مشترك بطل إقراره عندهما تصادقا في الشركة أو تكاذبا وقال محمد للأجنبي بحصته لو أنكر الأجنبي الشركة وبالعكس لم يذكره محمد ويجوز أن يقال إنه على الاختلاف والصحيح أنه لم يجز على قول محمد كما هو قولهما ( قوله : إلا أن يصدقه ) أي بعد موته ولا عبرة لإجازتهم قبله كما في خزانة المفتين وإن أشار صاحب الهداية لضده ، وأجاب به ابنه نظام الدين وحافده عماد الدين ذكره القهستاني شرح الملتقى وفي التعمية إذا صدق الورثة إقرار المريض لوارثه في حياته لا يحتاج لتصديقهم بعد وفاته وعزاه لحاشية مسكين . قال : فلم تجعل الإجازة كالتصديق ، ولعله لأنهم أقروا ا هـ . وقدم الشارح في باب الفضولي وكذا وقف بيعه لوارثه على إجازتهم ا هـ في الخلاصة نفس البيع من الوارث لا يصح إلا بإجازة الورثة يعني في مرض الموت وهو الصحيح ، وعندهما يجوز لكن إن كان فيه غبن أو محاباة يخير المشتري بين الرد أو تكميل القيمة سائحاني ( قوله : أو أوصى ) في بعض النسخ وأوصى بدون ألف ( قوله : لزوجته ) يعني ولم يكن له وارث آخر وكذا في عكسه كما في الشرنبلالية قاله شيخ والدي مدني ( قوله صحت ) ومثله في حاشية الرملي على الأشباه فراجعها ( قوله وأما غيرهما ) أي غير الزوجين ، وفي الهامش أقر رجل في مرضه بأرض في يده أنها وقف إن أقر بوقف من قبل نفسه كان من الثلث ، كما لو أقر المريض بعتق عبده أو أقر أنه تصدق به على فلان ، وهي المسألة الأولى قال وإن أقر بوقف من جهة غيره إن صدقه ذلك الغير أو ورثته جاز في الكل وإن أقر بوقف ولم يبين أنه منه أو من غيره فهو من الثلث ابن الشحنة كذا في الهامش ( قوله صح إلخ ) هذا مشكل فليراجع ( قوله : لما زعمه الطرسوسي ) أي من أنه يكون من الثلث مع تصديق السلطان ا هـ ح كذا في الهامش ( قوله : ولو كان ذلك ) أي الإقرار ( ولو ) وصلية ( قوله : بقبض دينه ) قال في الخانية : لا يصح إقرار مريض مات فيه بقبض دينه من وارثه ، ولا من كفيل وارثه إلى آخر ما يأتي في القرب من ذلك عن العين ، وقيد بدين الوارث احترازا عن إقراره باستيفاء دين الأجنبي .

والأصل فيه أن الدين لو كان وجب له على أجنبي في صحته جاز إقراره باستيفائه ولو عليه دين معروف سواء وجب ما أقر بقبضه بدلا عما هو مال كثمن أو لا كبدل صلح دم العمد والمهر ونحوه ولو دينا وجب في مرضه وعليه دين معروف أو دين وجب بمعاينة الشهود ، فلو ما أقر بقبضه بدلا عما هو مال لم يجز إقراره أي في حق غرماء الصحة كما نقله السائحاني عن البدائع ، ولو بدلا عما ليس بمال جاز إقراره بقبضه ، ولو عليه دين معروف جامع الفصولين وفيه لو باع في مرضه شيئا بأكثر من قيمته فأقر بقبضه لم يصدق وقيل للمشتري أد ثمنه مرة أخرى أو انقض البيع عند أبي يوسف وعند محمد يؤدي قدر قيمته أو نقض البيع ( قوله أو غصبه ) أي بقبض ما غصبه منه ( قوله ونحو ذلك ) كأن يقر أنه قبض المبيع فاسدا منه أو أنه رجع فيما وهبه له مريضا حموي ط .

[ ص: 614 ] فرع ]

أقر بدين لوارثه أو لغيره ثم برئ فهو كدين صحته ، ولو أوصى لوارثه ثم برئ بطلت وصيته جامع الفصولين .

[ تتمة ]

في التتارخانية عن واقعات الناطفي أشهدت المرأة شهودا على نفسها لابنها أو لأخيها تريد بذلك إضرار الزوج أو أشهد الرجل شهودا على نفسه بمال لبعض الأولاد يريد به إضرار باقي الأولاد ، والشهود يعلمون ذلك وسعهم أن لا يؤدوا الشهادة إلى آخر ما ذكره العلامة البيري ، وينبغي على قياس ذلك أن يقال : إن كان للقاضي علم بذلك لا يسعه الحكم كذا في حاشية أبي السعود على الأشباه والنظائر ( قوله : ولو فعله ) أي الإقرار بهذه الأشياء للوارث ( قوله : من ورثة المريض ) كما إذا أقر لابن ابنه ثم مات ابن الابن عن أبيه ( قوله : وسيجيء ) أي قريبا ( قوله : بوديعة ) الأصوب باستهلاك الوديعة أي المعروفة بالبينة ( قوله : مستهلكة ) أي وهي معروفة ( قوله وصورته ) قد أوضح المسألة في الولوالجية ولم يبين بهذه الصورة أن الوديعة معروفة كما صرح في الأشباه وفي جامع الفصولين راقما صورتها أودع أباه ألف درهم في مرض الأب أو صحته عند الشهود فلما حضره الموت أقر بإهلاكه صدق ; إذ لو سكت ومات ولا يدري ما صنع كان في ماله ، فإذا أقر بإتلافه فأولى ا هـ . والحاصل أن مدار الإقرار هنا على استهلاك الوديعة المعروفة لا عليها ( قوله : والحاصل ) فيه مخالفة للأشباه ونصها : وأما مجرد الإقرار للوارث فهو موقوف على الإجازة سواء كان بعين أو دين أو قبض منه أو أبرأه لا في ثلاث لو أقر بإتلاف وديعته المعروفة أو أقر بقبض ما كان عنده وديعة أو بقبض ما قبضه الوارث بالوكالة من مديونه كذا في تلخيص الجامع وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره بالأمانات كلها ولو مال الشركة أو العارية والمعنى في الكل أنه ليس فيه إيثار البعض فاغتنم هذا التحرير فإنه من مفردات هذا الكتاب ا هـ ط ( قوله إقراره بالأمانات ) أي بقبض الأمانات التي عند وارثه لا بأن هذه العين لوارثه ، فإنه لا يصح كما صرح به الشارح قريبا وصرح به في الأشباه وهذا مراد صاحب الأشباه بقوله : وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره بالأمانات كلها فتنبه لهذا فإنا رأينا من يخطئ فيه ويقول : إن إقراره لوارثه بها جائز مطلقا مع أن النقول مصرحة بأن إقراره له بالعين كالدين كما قدمناه عن الرملي ومن هذا يظهر لك ما في بقية كلام الشارح ، وهو متابع فيه للأشباه مخالفا للمنقول وخالفه فيه العلماء الفحول كما قدمناه .

وفي الفتاوى الإسماعيلية : سئل فيمن أقر في مرضه أن لا حق له في الأسباب والأمتعة المعلومة مع بنته المعلومة ، وأنها تستحق ذلك دونه من وجه شرعي ، فهل إذا كانت الأعيان المرقومة في يده ، وملكه فيها ظاهر ومات في ذلك المرض ، فالإقرار بها لوارثه باطل .

الجواب : نعم على ما اعتمده المحققون ولو مصدرا بالنفي خلافا للأشباه وقد أنكروا عليه ا هـ . ونقله السائحاني في محتومته ورد على الأشباه والشارح في هامش نسخته ، وفي الحامدية سئل في مريض مرض الموت ، أقر فيه أنه لا يستحق عند زوجته هند حقا وأبرأ ذمتها عن كل حق شرعي ومات عنها وعن ورثة غيرها وله تحت يدها أعيان وله بذمتها دين والورثة لم يجيزوا الإقرار فهل يكون غير [ ص: 615 ] صحيح ، الجواب : يكون الإقرار غير صحيح ، والحالة هذه ، والله تعالى أعلم ا هـ ( قوله : ومنها النفي ) فيه أنه ليس بإقرار للوارث كما صوبه في الأشباه ( قوله كلا حق لي ) هذا صحيح في الدين لا في العين كما مر ( قوله أو أمي ) ومنها إقراره بإتلاف وديعته المعروفة كما في المتن كذا في الهامش ( قوله ومنه هذا الشيء ) هذا غير صحيح كما علمته مما مر قال في البحر في متفرقات القضاء : ليس لي على فلان شيء ثم ادعى عليه مالا وأراد تحليفه لم يحلف ، وعند أبي يوسف يحلف للعادة وسيأتي في مسائل شتى آخر الكتاب : أن الفتوى على قول أبي يوسف اختاره أئمة خوارزم لكن اختلفوا فيما إذا ادعاه وارث المقر على قولين ولم يرجح في البزازية منهما شيئا ، وقال الصدر الشهيد : الرأي في التحليف إلى القاضي ، وفسره في فتح القدير بأنه يجتهد بخصوص الوقائع فإن غلب على ظنه أنه لم يقبض حين أقر يحلف الخصم ، وإن لم يغلب على ظنه ذلك لا يحلفه وهذا إنما هو في المتفرس في الأخصام ا هـ . قلت : وهذا مؤيد لما بحثنا والحمد لله . [ تتمة ]

قال في التتارخانية عن الخلاصة رجل قال : استوفيت جميع ما لي على الناس من الدين لا يصح إقراره ، وكذا لو قال : أبرأت جميع غرمائي لا يصح إلا أن يقول : قبيلة فلان وهم يحصون فحينئذ يصح إقراره وإبراؤه




الخدمات العلمية