الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 173 - 174 ] ( باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك ) ( ومن حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يؤاجر فوكل من فعل ذلك لم يحنث ) لأن العقد وجد له من العاقد حتى كانت الحقوق عليه ، ولهذا لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه فلم يوجد ما هو الشرط وهو العقد من الآمر ، وإنما الثابت له حكم العقد إلا أن ينوي ذلك لأن فيه تشديدا أو يكون الحالف ذا سلطان لا يتولى العقد بنفسه لأنه يمنع نفسه عما يعتاده

[ ص: 173 ]

التالي السابق


[ ص: 173 ] ( باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك من الطلاق والعتاق والضرب ) ولما كانت الأيمان على هذه التصرفات أكثر منها على الصلاة والحج والصوم وما بعدها قدمها عليها . والحاصل أن كل باب عقده فوقوعه أقل مما قبله وأكثر مما بعده . واعلم أن الأصل عندنا أن كل عقد ترجع حقوقه إلى المباشر ويستغني الوكيل فيه عن نسبة العقد إلى الموكل لا يحنث الحالف على عدم فعله بمباشرة المأمور لوجوده من المأمور حقيقة وحكما فلا يحنث بفعل غيره لذلك ، وذلك كالحلف ولا يبيع ولا يشتري ولا يؤجر ولا يستأجر ولا يصالح عن مال ولا يقاسم ، وكذا الفعل الذي يستناب فيه ويحتاج الوكيل إلى النسبة إلى الموكل ، كما إذا حلف لا يخاصم فلانا فإن الوكيل يقول أدعي لموكلي ، وكذا الفعل الذي يقتصر أصل الفائدة فيه على محله كضرب الولد فلا يحنث في شيء من هذه بفعل المأمور ، وكل عقد لا ترجع حقوقه إلى المباشر بل هو فيه سفير وناقل عبارة يحنث فيه بمباشرة المأمور كما يحنث بفعله بنفسه ، وذلك إذا حلف لا يتزوج فوكل به أو لا يطلق أو لا يعتق بمال أو بلا مال أو لا يكاتب أو لا يهب أو لا يتصدق أو لا يوصي أو لا يستقرض أو لا يصالح عن دم العمد أو لا يودع أو لا يقبل الوديعة أو لا يعير أو لا يستعير .

وكذا كل فعل ترجع مصلحته إلى الآمر كحلفه لا يضرب عبده ولا يذبح شاته فإنه يحنث بفعل المأمور ، ومنه قضاء [ ص: 174 ] الدين وقبضه والكسوة والحمل على دابته وخياطة الثوب وبناء الدار ( قوله ومن حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يؤاجر فوكل من فعل ذلك لم يحنث لأن العقد وجد من العاقد ) لا من الحالف حقيقة وهو ظاهر وحكما حتى رجعت حقوق العقد إليه وكان هو المطالب بالتسليم للثمن أو المثمن والمخاصم بالعيب وبالعين المؤجرة والأجرة ( ولهذا لو كان العاقد ) بطريق الوكالة في هذه ( هو الحالف ) لا يبيع إلخ ( يحنث في يمينه ) لصدق أنه باع واشترى واستأجر حقيقة وحكما ، وهذا قول الشافعي في الأظهر ، وعند مالك وأحمد يحنث لأن بالأمر يصير كأنه فعله بنفسه كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه له حنث .

قلنا : لم يوجد الفعل منه لا حقيقة ولا حكما وهو الشرط للحنث بل من العاقد حقيقة وحكما ( وإنما الثابت له حكم العقد ) الذي هو الملك لا كل حكم وإن كان الحكم على الأعم ، بخلاف الحلق لأن اليمين لم تنعقد فيه على حلقه بنفسه لأنه غير معتاد ، وإنما انعقدت على الحلق مطلقا فيحنث بفعل الغير كما لو حلق بنفسه بأن كان ممن يقدر على ذلك ويفعله .

وقوله إلا أن ينوي ذلك استثناء من قوله لم يحنث : يعني فإذا نوى البيع بنفسه أو وكيله يحنث ببيع الوكيل ( أو يكون الحالف ذا سلطان لا يتولى العقود بنفسه ) فإنه يحنث وإن لم ينو لأن مقصوده من الفعل ليس إلا الأمر به فيوجد سبب الحنث بوجود الأمر به للعادة وإن كان السلطان ربما يباشر بنفسه عقد بيع المبيعات ، ثم لو فعل الآمر بنفسه يحنث أيضا لانعقاده على الأعم من فعله بنفسه أو مأموره ، ولو كان رجلا يباشر بنفسه مرة ويوكل أخرى تعتبر الغلبة ، وكل فعل لا يعتاده الحالف كائنا من كان كحلفه لا يبني ولا يطين العقد كذلك




الخدمات العلمية