الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 86 ] أو أكره غيره على التلف [ ص: 87 ] أو حفر بئرا تعديا ، [ ص: 88 ] وقدم عليه المردي ، إلا لمعين فسيان ،

التالي السابق


( أو أكره ) شخص شخصا ( غيره على التلف ) أي إتلاف شيء لغير المكره فيضمنه المكره بالكسر إن كان المكره بالفتح عديما ، أو لم يقدر على تغريمه ، وإلا فيضمنه تقديما للمباشر على المتسبب . " ق " سئل سحنون عن رجل من العمال أكره رجلا أن يدخل بيت رجل ليخرج منه متاعا يدفعه إليه فأخرجه ودفعه إليه ، ثم عزل ذلك العامل الغاصب فللمغصوب منه طلب ماله ممن شاء منهما ، فإن أخذه من المباشر فله الرجوع به على من أكرهه ، وللمباشر طلب العامل إذا كان المغصوب منه غائبا لأنه يقول أنا المأخوذ به إذا جاء صاحبه ابن رشد في هذا نظر ، ومقتضى النظر أنه يوقف لصاحبه عند أمين ، ولا يمكن منه المباشر .

ابن عرفة الأظهر تمكينه منه ولسحنون أيضا من أكره على رمي مال غيره في مهلكة ففعل ذلك بإذن ربه بلا إكراه فلا شيء عليه ولا على من أكرهه ، وإن أكره ربه على الإذن فالفاعل ضامن ، فإن كان عديما فالضمان على الذي أكرهه ولا رجوع له على الفاعل إذا أيسر . ابن عرفة مفهوم قوله إن كان عديما أنه لا غرم على الآمر المكره هو خلاف قوله في نوازله ، ويفرق بينهما بأن المال المكره على أخذه قبضه الآمر المكره في مسألة نوازله فناسب كونه أحد الغريمين على السوية . انظرابن عرفة ونصه عقب ما تقدم والمال المكره على أخذه في مسألة ابن سحنون ليس مآله لانتفاع الآمر به ، فناسب كون غرمه مشروطا بفلس الفاعل .

فإن قلت في ضمان الفاعل مع استناده لإذن المالك المكره على إذنه نظر لأن كلا من فعل الفاعل وإذن المالك سبب عن إكراه الآمر لهما ، فإن كان فعل المكره لغوا فلا ضمان على الفاعل وإن كان معتبرا كان إذن المالك معتبرا ، ومتى كان معتبرا لم يكن الفاعل متعديا فلا يضمن . قلت يجاب بأن المكره عليه إن كان قولا كان لغوا ، وإن كان [ ص: 87 ] فعلا كان معتبرا حسبما تقدم في طلاق المكره ويأتي إن شاء الله تعالى في الزنا والمكره عليه في حق الفاعل فعل وجب اعتباره ، وفي حق المالك قول يوجب لغوه فكأنه لم يأذن ا هـ .

الحط في المسائل الملقوطة العمد والخطأ والإكراه في أموال الناس سواء يوجب ضمانها وهو من خطاب الوضع فلا يشترط التكليف والعلم ، فلا فرق في الإتلاف بين الصغير والكبير والجاهل والعالم والمكره والطائع ولا يلتفت للضرب والحبس وغير ذلك من أنواع التهديد والإكراه في مال نفسه ينفعه الرجوع فيه ا هـ . وفي النوادر اتفق العلماء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله أو يطلب وديعة إنسان ليأخذها غصبا ، فسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به ا هـ . ابن ناجي يجب الكذب لإنقاذ مسلم أو ماله .

ابن عرفة الشيخ محمد بن سحنون قولهم الكفر والقذف لا يباح في الضرورة كما أبيحت الميتة أفسدوه بإجماعهم معنا على أن من أكره بتهديد بقتل أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه تلفه على أخذ مال فلان يدفعه لمن أمره وأكرهه أنه في سعة من أخذ مال الرجل ودفعه إليه ويضمن الآمر ولا يضمن المأمور . قال من حالفنا وإنما يسعه هذا ما دام حاضرا عند الآمر ، فلو أرسله ليفعل ذلك فخاف إن ظفر به أن يفعل به ما هدده به فلا يسعه فعل ذلك إلا أن يكون معه رسول الآمر فخاف أن يرده إليه إن لم يفعل فيكون كالحاضر . محمد إن رجا المكره الخلاص إن لم يفعل فلا يسعه الفعل كان معه رسول أم لا ، وإن لم يأمن نزول الفعل به وسعه كان معه رسول أم لا ، وإن هدده على أن يأخذ مال مسلم بدفعه له فأبى فقتله كان عندنا في سعة وإن أخذه كان في سعة .

( أو حفر بئرا تعديا ) بأن حفرها في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها آدمي أو غيره فيضمنه حافرها لتسببه في تلفه ، ومفهوم تعديا أنه لو حفرها في ملكه أو ملك غيره بإذنه فلا يضمن ما يهلك فيها وهو كذلك . [ ص: 88 ] و ) إن حفر بئرا تعديا وأردى غيره فيها آدميا أو حيوانا ( قدم ) بضم فكسر مثقلا في الضمان الشخص ( المردي ) بضم الميم وسكون الراء وكسر الدال ، أي المسقط على الحافر ، لأن المردي مباشر والحافر متسبب ، والأول مقدم على الثاني فيه في كل حال ( إلا ) الحافر تعديا ( ل ) قصد إتلاف شخص ( معين ) بضم ففتح مثقلا وأرداه غيره فيها فمات ( ف ) الحافر والمردي ( سيان ) بكسر السين وشد التحتية في القصاص منهما إن كان المعين آدميا وضمان القيمة إن كان غيره . ابن عرفة فيها مع غيرها من حفر بئرا أو غيرها حيث لا يجوز له ، أو حيث يجوز له لما لا يجوز له ضمن ما هلك بذلك .

" ق " ونصها مالك رضي الله تعالى عنه من حفر حفيرا في دار رجل بغير إذنه فعطب فيه إنسان ضمنه الحافر ، وإذا حفر حفيرا في داره أو جعل حبالة ليعطب بها سارقا فعطب به السارق أو غيره فهو ضامن لذلك . أشهب لأنه احتفر لما لا يحل . مالك رضي الله تعالى عنه وإن جعل في حائطه حفيرا للسباع أو حبالة فلا يضمن ما يعطب به من سارق أو غيره ، وإن جعل بباب جنانه نصبا تدخل في رجل من يدخله أو اتخذ تحت عتبته مسامير لمن يدخل أو رش ماء يريد به زلق من يسلكه من دابة أو إنسان أو اتخذ فيه كلبا عقورا فهو ضامن لما أصيب من ذلك ، ولو رشه لغير ذلك فلا يضمن ما يعطب به كحافر بئر في داره لحاجته لا لإرصاد سارق فهو مفترق .

ابن شاس يجب الضمان على من حفر بئرا في محل عدوانا فتردت فيه بهيمة أو إنسان فإن رداه غيره فعلى المردي تقديما للمباشر على المتسبب . ابن عرفة كذا نقله الطرطوشي في مسألة حل القفص الآتية وعارضها ابن عبد السلام بتسوية سحنون بين المكره غيره على أن يخرج له مال رجل من بيته ويدفعه له مع أن المكره متسبب والمأمور مباشر . وأجاب بأن التسبب بالإكراه أشد من التسبب بالحفر . قلت الحق أنهما سواء في مسألة سحنون مباشران معا ضرورة مباشرة الآمر المكره أخذ المال من مخرجه واستقراره بيده والآخذ من الغاصب العالم بالغصب غاصب . " ق " قوله إلا لمعين فسيان هذا قول [ ص: 89 ] القاضي أبي الحسن ابن شاس . وقال ابن هارون يقتل المردي دون الحافر تغليبا للمباشرة . ابن عرفة الأظهر على رواية ابن القاسم يقتل المردي إلا أن علم بتقدم فعل الحافر وقصده فيقتلان معا كبينة الزور مع القاضي العالم بزورها . .




الخدمات العلمية