الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 369 ] وإن أحبل مشتراة للوطء : فالثمن ، واتبع به ، إن أعسر

التالي السابق


( وإن أحبل ) العامل الموسر أمة ( مشتراة ) من مال القراض ( للوطء ) من العامل ( فالثمن ) أي عوضه يغرمه العامل لرب المال قاله ابن القاسم رحمه الله تعالى ( واتبع ) بضم الفوقية وكسر الموحدة العامل ( به ) أي الثمن ( إن أعسر ) العامل ب ابن رشد إن اشتراها للوطء ووطئها فحملت فإن علم أنه اشتراها لنفسه من مال القراض فلا تباع ، ويتبع بالثمن الذي اشتراها به في ذمته قولا واحدا . ابن يونس روى عيسى عن ابن القاسم إذا تسلف العامل من مال القراض ما ابتاع به أمة ووطئها فحملت فقد عرفتك بقول مالك رضي الله تعالى عنه ، وهو رأيي أنه يؤخذ منه ما اشتراها به في ملائه ، ويتبع به في عدمه . وأما إن اشتراها للقراض وتعدى فوطئها وثبت ذلك ، فهذه تباع في عدمه عيسى ويتبع بقيمة الولد عينا لا أن يكون في القراض فضل فيكون كمن وطئ أمة بينه وبين شريكه .

( تنبيهات ) . الأول : طفي قوله قوم ربها أو أبقى ، على هذا حمل المصنف في توضيحه قول ابن الحاجب فعليه قيمتها يوم وطئها ، إن شاء رب المال ، فقال يعني إن اشترى العامل بمال القراض جارية خير رب المال ، فإن شاء ألزمه قيمتها يوم وطئها وإن شاء أبقاها على القراض ، وهو تابع في ذلك لابن عبد السلام ثم قال وهذا الذي قلناه من تخيير رب المال في أخذ القيمة وإبقائها على القراض إذا لم تحمل هو ظاهر كلام المصنف ، وهو الفقه وقال بعضهم يخير في أخذ القيمة أو الثمن الذي اشتراها به وإلزام العامل الثمن بعيد لأنه لم يعتد عليه إذا أقر رب المال بأنه اشتراها للقراض أو ثبت ببينة ، وظاهر كلام هذا القائل أنه ليس له إبقاؤها على القراض وهو بعيد .

ابن عرفة ظاهره أنه إن لم يقر ولم تقم بينة به أن له إلزامه الثمن . والصواب أنه إنما يلزمه به إذا نكل العامل عن حلفه أنه اشتراها للقراض ، فإن حلف فلا ، وما نقله عن [ ص: 370 ] بعضهم هو مقتضى ما يأتي عن محمد إذا حلفه ، وفي تبعيده كونه ليس به إبقاؤها على القراض نظر لقولها في وطء أحد الشريكين أمة بينهما بعد ابتياعه إياها إن لم يسلمها له شريكه بالثمن وقال أردها للشركة فليس له ذلك ، وقال غيره له ذلك وهو في المقارض أحرى لاختصاصه بحوز مال القراض وهذه الأحروية تمنع تخريج قول الغير في عامل القراض . ا هـ . كلام ابن عرفة فنفى القول بالإبقاء في عامل القراض نصا وتخريجا فالصواب حمل كلام ابن الحاجب على ما نقله ابن عبد السلام عن بعضهم ، إذ مثله لابن شاس وهو متبوع .

ابن الحاجب غالبا ونحوه للمتيطي أيضا ، ونصه وإن ابتاع العامل بمال القراض جارية له أو للقراض فوطئها ولم تحمل ، فإن كان غنيا فرب المال مخير عند مالك بين تضمينه قيمتها يوم وطئها أو ثمنها الذي اشتراها به ، وإن كان معسرا فقال ابن القاسم تباع فيما لزمه من قيمتها . ا هـ . وقد اعتمد ناصر الدين في حاشية التوضيح كلام المتيطي ، وقال عقبه وبه ظهر أن تخييره في الإبقاء على القراض غير منقول معنا ، بل المنقول في الأمة يطؤها الشريك ولم تحمل أنه لا يجوز إبقاؤها للشركة والقراض أحرى ، صرح به ابن عرفة عن المدونة .

وقد رد عج كلام ابن عرفة وناصر الدين فقال قوله بل المنقول في الأمة يطؤها الشريك ولم تحمل أنه لا يجوز إبقاؤها للشركة إلخ ، فيه نظر إذ المصرح به في باب الشركة أن المعروف والمشهور أن للشريك غير الواطئ إذا لم تحمل إبقاءها للشركة وقد تقدم ذلك في كلام المصنف فكلامه هنا موافق لما تقدم له ، وكلام ابن عرفة غير ظاهر . ا هـ . ورده غير صحيح ; لأن كلام المدونة الذي استدل به ابن عرفة إذا اشتراها أحد الشريكين لغير الشركة به لنفسه ، وهي التي قال فيها في المدونة ليس له أن يردها للشركة بعد الوطء ، أما قبله فله ذلك كما قيد به ابن يونس كلام المدونة ، وقوله المعروف والمشهور أن للشريك غير الواطئ إبقاءها للشركة وهو المتقدم في كلامالمصنف إنما ذلك في [ ص: 371 ] المشتراة للشركة فتعدى عليها أحد الشريكين فوطئها ، ومن تأمل كلامها وكلام أبي الحسن ظهر له ما قلنا . ولم يفرق عج بين المسألتين فتجاسر برد كلام من عظم قدره وارتفع أمره في العلم بدون إمعان النظر ، وما ينبغي له ذلك ، والعجب منه أنه سلك هذا التفصيل في باب الشركة وغفل عنه هنا ، وعلم من كلام المتيطي أنه لا فرق بين شرائها لنفسه وشرائها للقراض ، وهو ظاهر كلام ابن عرفة وغير واحد ، وعليه يحمل كلام المصنف ، وإنما التفصيل في التي أحبلت خلافا لما في التوضيح وإن تبعه تت . البناني من تأمل علم أن كلام عج ظاهر ، وأن اعتراض طفي عليه تحمل ، وذلك لأن موضوع كلام ابن عبد السلام في المشتراة القراض ، فرد ابن عرفة عليه بالأمة التي اشتراها أحد الشريكين لنفسه غير واضح ، وحيث صح أن المشهور في المشتراة للشركة أن لغير واطئها إبقاءها للشركة فالتي للقراض مثلها ، وهذا يقوي ما لابن عبد السلام فتبين أن ما ذكره طفي من التهويل ليس عليه تعويل ، على أن ما ذكره ابن عبد السلام هو ظاهر قول النوادر ، ما نصه وإن لم تحمل وهو مليء فرب المال مخير بين أن يضمنه أو يتركه نقله بعضهم قائلا ترك تضمينه هو إبقاؤه للقراض لا غير ، وبإبقائها للشركة صرح العبدوسي في شرح المدونة والله الموفق .

( الثاني ) : طفي قوله اتبعه بها وبحصة الولد بهذا قرر في توضيحه كلام ابن الحاجب ، وفي اتباعه بنصيبه من قيمة الولد قولان ، ونصه يعني في اتباع رب المال العامل بنصيبه من الولد إذا كان العامل معسرا قولان الاتباع لعيسى . الباجي وهو أصل ابن القاسم ، ومقابله لابن حبيب . ا هـ . فظاهره اتباعه بحصة الولد مع اتباعه بالقيمة ، وعلى هذا جرى هنا في مختصره ، وقرره ابن عبد السلام بقوله يعني وحيث كان العامل معسرا وبقيت من قيمة الأمة بقية في ذمته ، فهل يلزم العامل من قيمة الولد بنسبة تلك البقية من جميع القيمة فيه قولان ، أحدهما أن ذلك يلزمه وهو قول عيسى وأصل ابن القاسم . ا هـ . فجعل [ ص: 372 ] محل الاتباع بحصة الولد إذا بقيت من القيمة بقية ، وذلك إذا بيعت في قيمتها ولم يف ثمنها بها وهو الصواب لنص غير واحد على أنه إذا تبعه بقيمتها لا يتبعه بحصة الولد ، وبهذا اعترض ناصر الدين على الموضح ، وتقرير ابن عبد السلام هو مراد ابن الحاجب ، ففي الجواهر وإن كان معدما فإن كانت مشتراة للقراض كان رب المال بالخيار بين أن يضمنه إياها ويتبعه بقيمتها يوم وطئها في ذمته ، وليس له من قيمة الولد ولا مما نقصها وطؤه شيء وبين أن يباع جميعها إن لم يكن في المال ربح ، فإن كان فيه ربح بيع منها بقدر رأس المال وحصة ربه من الربح ويبقى ما يخصه من الربح بحساب أم الولد على الخلاف في ذلك ، ولو نقص ثمن ما بيع منها عن قيمتها يوم وطئها لأتبعه بذلك النقصان مع نصيبه من قيمة الولد ، وإن شاء تماسك بنصيبه منها واتبعه ما يصيبه من قيمة الولد قاله عيسى القاضي أبو الوليد هذا ما اختاره ابن القاسم ا هـ كلام الجواهر ، وأراد بالقاضي أبي الوليد الباجي ، إذ يعبر عنه بهذا ولا شك أن هذا مراد ابن الحاجب بقوله فإن كان معسرا فله ذلك إن شاء في ذمته وإلا فمن المال إن كان فيه فضل بذلك كله ، وإلا بيعت كلها واتبع بما بقي .

وفي اتباعه بنصيبه من قيمة الولد قولان . ا هـ . فاختصر كلام الجواهر إذ هو يتبعه في الغالب ، ويختصر كلامه فتقرير المصنف له بما تقدم عن مراده ، ومعنى قوله فله ذلك قيمتها يوم وطئها أو يوم حملها على الخلاف الذي قدمه ، وقوله وإلا أي وإن لم يرد رب المال اتباعه فمن المال إلخ ونحو ما في الجواهر للمتيطي ، ونصه وإن كان معدما والجارية للقراض وأحبلها فرب المال مخير بين أن يتبعه بقيمتها يوم وطئها ، وليس له من قيمة ولدها شيء وبين بيعها إن لم يكن فيها ربح إذا وضعت فيما لزمه من قيمتها ، ويتبعه بقيمة ولدها ، فإن كان فيها ربح فيباع منها بقدر رأس المال ونصيب ربها من الربح .

ويتبعه بنصيبه من قيمة ولدها وإن شاء تماسك بنصيبه منها ، واتبعه بنصيبه من قيمة ولدها قاله ابن القاسم في رواية عيسى . ا هـ . ونحوه لابن عرفة ، فقد تضافرت النصوص على [ ص: 373 ] أنه إن تبعه بقيمتها لا يتبعه بحصة ولدها ، وقد تبع الشارح في شروحه المصنف ، وكذا في شامله حيث قال فإن كان عديما فلربها أن يتبعه بقيمتها يوم وطئها أو حملها أو الأكثر منهما وبحصة الولد والكمال لله .

الثالث : تت سكت عن حكم شرائها من مال القراض ولم يعلم هل اشتراها العامل للقراض أو لنفسه ، فحمله الإمام مالك " رضي الله عنه " على شرائها للقراض ولا يصدق في دعواه أنه اشتراها لنفسه فتباع كما تقدم ، وصدقه ابن القاسم فلا تباع عنده . ابن رشد هذا محل الخلاف ، وأما إن قامت بينة على أنه اشتراها للوطء فلا تباع باتفاق . طفي فيه نظر ; لأن هذه طريقة ابن رشد وطريقة غيره هذا الحكم ، سواء علم الشراء لأحد الأمرين ببينة أو بمجرد قول العامل ، فلما أطلق المصنف دل على أنه لم يسلك طريقة ابن رشد .

وحاصله أن في المسألة ثلاث طرق ، الأولى : لا فرق بين المشتراة للقراض والمشتراة للوطء . الثانية : الفرق بينهما ويقبل قول العامل . الثالثة : طريقة ابن رشد . ابن عرفة وإن كان عديما ففي بيعها لجبر رأس المال أو له ولحظه من الربح مطلقا ، أو إن اشتراها للقراض وإن اشتراها لوطئها اتبع بالثمن ، ثالثها إن علم ببينة شراؤها للقراض بيعت أو ألزم قيمتها يوم وطئها ، وإن علم بها شراؤها لنفسه اتبع بالثمن اتفاقا فيهما وإلا جاء القولان لحمل بعض أهل النظر الروايات على الأول ، وحملها ابن رشد على الثاني . ا هـ . على أن تت لم يحسن سياق طريقة ابن رشد ، ونصه بعد ذكره الخلاف في بيعها على الإطلاق ، وعلى هذا حمل المسألة بعض أهل النظر باتباع ظاهر الروايات أقول فيها إن الخلاف في بيعها إذا حملت وهو عديم إنما هو إذا لم يعلم هل اشتراها للقراض أو لنفسه بما استلفه من مال القراض إلا بقوله فحمله الإمام مالك " رضي الله عنه " على أنه للقراض ، فلم يصدقه ، ولذا قال تباع إن لم يكن له مال . [ ص: 374 ] وحمله ابن القاسم على أنه لنفسه سلفا من مال القراض ولم يصدقه أنه اشتراها للقراض وإن زعم ذلك ، ولذا قال لا تباع لأنه يتهم على إرادته ببيع أم ولده . وأما إن علم أنه اشتراها لنفسه بمال سلف من القراض فلا تباع ، ويتبع بالثمن الذي اشتراها به قولا واحدا كما يختلف إن اشتراها للقراض ببينة قامت على ذلك يوم وطئها فحملت ، ولا مال له في أنها تباع فيما لزمه من قيمتها . ا هـ .




الخدمات العلمية