الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 118 ] أو نقصت للسوق ، أو رجع بها من سفر [ ص: 119 ] ولو بعد : [ ص: 120 - 121 ] كسارق ، وله في تعدي كمستأجر : كراء الزائد ، إن سلمت ، وإلا خير فيه ، وفي قيمتها وقته

التالي السابق


( أو نقصت ) قيمة المغصوب ( ل ) تغير ( السوق ) أي القيمة والمغصوب باق بحاله فلا شيء على غاصبه . " ق " فيها ما اغتصبه غاصب فأدركه ربه بعينه لم يتغير في بدنه فليس له غيره ، ولا ينظر إلى نقص قيمته باختلاف سوقه طال زمان ذلك سنين أو كان ساعة واحدة ، وإنما ينظر إلى تغير بدنه قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ، وهو بخلاف المتعدي في حبس الدابة من مكتر ومستعير يأتي بها أحسن حالا ، فربها مخير في أخذ الكراء أو تضمينه القيمة يوم التعدي لأنه حبسها عن أسواقها إلا في الحبس اليسير الذي لا يتغير في مثله سوق أو بدن .

ابن القاسم ما أصله الأمانة فتعدى فيه بإكراء أو ركوب من وديعة أو عارية أو كراء فهذا سبيله ، وهو بخلاف الغاصب . ابن يونس القياس أن لا فرق بينهما في هذا الوجه ، ولا يكون الغاصب أحسن حالا من المتعدي وكما كان يضمن في النقص اليسير فكذلك يجب أن يضمن في نقص السوق ، وقد نحا ابن القاسم إلى المساواة بينهما لولا خوفه مخالفة الإمام مالك رضي الله تعالى عنه .

( أو ) غصب دابة وسافر بها و ( رجع ) الغاصب ( بها ) أي الدابة ( من سفر ) ولم [ ص: 119 ] تتغير عن حالها الذي غصبها وهي به فلا شيء لربها من قيمتها ولا كرائها إن قصر السفر ، بل ( ولو بعد ) بضم العين أي طال أفاده تت . " ق " ابن القاسم ما اغتصب من دواب أو رقيق أو سرق وطال مكثه بيده فليس لربه أن يلزمه قيمته إذا كان على حاله ، ولا ينظر إلى تغير سوقه ، بخلاف المكتري والمستعير يتعدى المسافة تعديا بعيدا فيخير ربها ، ونقله ابن رشد ، ثم قال وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ إن سافر غاصب الدابة سفرا بعيدا ثم ردها بحالها خير ربها . ابن الماجشون أمر المكتري والغاصب واحد . الحط قوله أو رجع بها من سفر ولو بعد هذا داخل تحت قوله وغلة مستعمل ، وإنما ذكره هنا ليبين أن هذا الفعل من الغاصب ليس بفوت يوجب تخيير ربها فيها ، وفي قيمتها ، وليبين أنه يوجب ذلك من المتعدي كالمستأجر ونحوه ، وليس مقصوده أنه لا كراء على الغاصب فليس معارضا لما تقدم ، ومن حمله على نفي الكراء من الغاصب كما هو مذهب المدونة يحتاج أن يقيد ما تقدم بذلك . ابن الحاجب لما عدد بعض ما يكون فوتا يوجب تخيير رب السلعة فيها وفي قيمتها ما نصه ولو رجع بالدابة من سفر بعيد بحالها فلا يلزم سواها عند ابن القاسم ، بخلاف تعدي المكتري والمستعير ، وفي الجميع قولان .

ابن عبد السلام ستأتي مسألة المدونة التي ذكرها المصنف بعد هذا ، وأشار إلى قوله فإن استغل أو استعمل إلخ . ابن عبد السلام هذا الحصر الذي أعطاه كلام المصنف حيث قال لم يلزم سواها ، يحتمل أن يبقى على ظاهره فلا يكون على الغاصب كراء في سفره على الدابة ، ويحتمل أنه أراد نفي قيمة الدابة التي يخير فيها رب الدابة في التعدي لا كرائها . ا هـ . ولما ذكر ابن الحاجب الأقوال في الغلة قال في كلامه هنا يحتمل ، وأما المصنف فلم يذكر أولا إلا المشهور ، وهو ضمان غلة المغصوب المستعمل مطلقا ، فيحمل كلامه هنا على نفي الضمان إلا أن يحمل كلامه الأول على مذهب المدونة ويقيد فيصح والله أعلم .

طفي تقرير تت يناقض تعميمه في قوله وله غلة مستعمل . والجواب أن ما ذكره هنا [ ص: 120 ] هو مذهب المدونة ، ففيها وما اغتصب أو سرق من دواب أو رقيق فاستعملها شهرا وطال مكثها بيده أو أكراها وقبض كراءها فلا شيء عليه في ذلك من كرائها ، وإنما لربها عين شيه ، وليس له أن يلزمه قيمتها إذا كانت على حالها لم تتغير في بدن ، ولا ينظر إلى تغير سوق وما قدمه من التعميم هو ما شهره ابن الحاجب و المازري وصاحب المعين .

وقال ابن عبد السلام هو الصحيح وإن كان خلاف مذهب المدونة لأن مذهبها أنه لا يرد غلة الرقيق والدواب ، بخلاف الدور والأرضين والإبل والغنم ، ولك أن تخص قوله وغلة مستعمل بغير الدواب والرقيق فيكون جاريا على مذهبها في الموضعين . وتقرير تت في الموضعين تبع فيه الشارح ، وأصله للتوضيح في قول ابن الحاجب ولو رجع بالدابة من سفر بعيد بحالها لم يلزمه سواها عند ابن القاسم .

وأما تقرير الحط لقوله أو رجع بها من سفر أنه بين به أن هذا الفعل ليس بفوت يوجب خيار ربها فيها وفي قيمتها ، وليس مقصوده أنه لا كراء له على الغاصب فبعيد عن سياق المصنف لأنه قصد محاذاة المدونة ، بدليل تشبيهه بالسارق بدليل ذكر الكراء في المستأجر ونحوه ، فأفاد أن مراده نفي الكراء في الغاصب ، فهو كقولها عقب ما قدمناه عنها ولم يكن على الغاصب والسارق كراء ما ركبا من الدواب ، بخلاف ما سكن من الربع أو زرع . وأما المكتري أو المستعير يتعدى المسافة تعديا بعيدا أو يحبسها أياما كثيرة ولم يركبها ثم يردها بحالها فربها مخير في أخذ قيمتها يوم التعدي أو أخذها مع كراء حبسه إياها بعد المسافة ، وله في الوجهين على المكتري الكراء الأول والسارق أو الغاصب ليس عليه في مثل هذا قيمة ولا كراء إذا ردها بحالها .

ابن القاسم لولا ما قاله مالك لجعلت على السارق كراء ركوبه إياها أو أضمنه قيمتها إذا حبسها عن أسواقها كالمكتري ، ولكن آخذ فيها بقول مالك رضي الله تعالى عنه ، وبنصها تعلم ما في قوله وله في تعدي كمستأجر إلخ من الإجمال ، وقد تولى تفصيلهالحطاب و " ج " . [ ص: 121 ] وشبه في نفي الضمان فقال ( كسارق ) دابة سافر بها ورجعت بحالها فليس لربها إلا أخذها ولو تغير سوقها أو طال حبسها على مذهب المدونة ( وله ) أي المالك ( في تعدي كمستأجر ) بكسر الجيم دابة المسافة التي استأجرها لها أو الحمل كذلك ، وأدخلت الكاف المستعير ( كراء الزائد ) على المسافة المستأجر أو المستعار لها أو الحمل كذلك ( إن سلمت ) الدابة على المشهور ( وإلا ) أي وإن لم تسلم ( خير ) بضم الخاء المعجمة وكسر التحتية مشددة ربها ( في ) كراء ( هـ ) أي الزائد معها ( وفي قيمتها ) أي الدابة معتبرة ( وقته ) أي التعدي .

" ق " ابن القاسم في المكتري والمستعير يتعدى ثم يردها بحالها أن ربها يخير إن شاء أخذها مع كراء حبسه إياها بعد المسافة ، وإن شاء أخذ قيمتها يوم التعدي ، بخلاف السارق والغاصب . وفيها لابن القاسم وإن زاد مكتري الدابة أو مستعيرها في المسافة ميلا أو أكثر فعطبت ضمن وخير ربها ، فإما ضمنه قيمتها يوم التعدي ولا كراء له في الزيادة ، أو أخذ منه كراء الزيادة ولا قيمة عليه وله على المكتري الكراء الأول بكل حال ، ولو ردها بحالها والزيادة يسيرة مثل البريد واليوم وشبهه فلا يلزمه قيمتها ، وإنما له كراء الزيادة . ا هـ . فقوله وله في تعدي كمستأجر كراء الزائد إن سلمت ، عنى به الزائد اليسير . .




الخدمات العلمية