الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأمر السلطان بإغلاق الحوانيت ; وحمل ظئر ، [ ص: 522 ] أو مرض لا تقدر معه على رضاع ومرض عبد وهربه لكعدو ، إلا أن يرجع في بقيته [ ص: 523 ] بخلاف مرض دابة بسفر ثم تصح ، [ ص: 524 ] وخير إن تبين أنه سارق ، وبرشد صغير عقد عليه ، أو على سلعة ولي ، إلا لظن عدم بلوغه ، وبقي كالشهر : [ ص: 525 ] كسفيه ثلاث سنين ، وبموت مستحق وقف آجر ، ومات قبل تقضيها على الأصح

التالي السابق


( و ) فسخ كراء الحوانيت ( ب ) سبب ( أمر السلطان بإغلاق الحوانيت ) لعدم إمكان مخالفة أمره . ابن حبيب وكذلك الحوانيت يأمر السلطان بغلقها . ابن يونس الجائحة في المكتري للسكنى من أمر غالب لا يستطيع دفعه من سلطان أو غاصب فهي بمنزلة ما لو منعه أمر من الله تعالى ، كانهدام الدار وامتناع ماء السماء حتى منعه حرث الأرض فلا كراء عليه في ذلك كله لأنه لم يصل إلى ما اكترى . وقال أصبغ من اكترى رحى سنة فأصاب أهل ذلك المكان فتنة جلوا بها من منازلهم وجلا معهم المكتري ، أو بقي آمنا إلا أنه لا يأتيه الطعام لجلاء الناس فهو كبطلان الرحى من نقص الماء أو كثرته ، ويوضع عنه قدر المدة التي جلوا فيها ، بخلاف الدار تكترى ثم يجلو الناس لفتنة وأقام المكتري آمنا أو رحل للوحشة وهو آمن فيلزمه الكراء كله ولو انجلى للخوف سقط عنه كراء مدة الجلاء .

( و ) فسخت إجارة الظئر بسبب ظهور ( حمل ظئر ) بأن كانت وقت العقد غير ظاهرته ثم ظهر فيها إن حملت المرضع فخافوا على الصبي ألهم فسخ الإجارة ؟ قال : نعم ، [ ص: 522 ] ولم أحفظه عن الإمام مالك " رضي الله عنه " . ابن عرفة نقل اللخمي فسخه بمجرد حملها لا بقيد الخوف على الولد قائلا لأن إرضاع الحامل يضر بالولد . ابن ناجي لا يعارض ما تقدم من منع الزوج من وطئها إما لكونه تعدى وإما لكون هذا الحمل من وطء سابق ، ولم يظهر وقت العقد فيها ، وإذا حملت الظئر وخيف على الصبي فلهم فسخ الإجارة ولا يلزمها أن تأتي بغيرها . ابن ناجي في قولها لهم تسامح وهو بمعنى عليهم ، سواء خافوا عليه الموت أو دونه . وقول المغربي يجب عليهم في الأول ، ويندب في الثاني بعيد . ا هـ . والمصنف ذكر التخيير فيما تقدم تبعا لظاهر لفظها ، ولقول المغربي لا يجب إلا إذا خيف موته ، فأما أن يحمل كلامه هنا على التخيير أيضا وإن أوجب التكرار كما حمله عليه جد عج ، وهو الذي يظهر من صنيع الحط ، أو على تحتم الفسخ لخوفهم موته على حمل المغربي ، وإن استبعده ابن ناجي ، والله أعلم أفاده طفي .

( أو ) بحصول ( مرض ) للظئر ( لا تقدر ) الظئر ( معه ) أي المرض ( على رضاع ) منها فتنفسخ إجارتها عليه . فيها إن مرضت الظئر بحيث لا تقدر على رضاع الصبي فسخت الإجارة ، فإن صحت في بقية منها جبرت على إرضاعه بقيتها ، ولها من الأجر بقدر ما أرضعت ولا عليها إرضاع ما مرضت قال غيره إلا أن يكونا تفاسخا فلا تجبر على إرضاعه بقيتها .

( و ) فسخت الإجارة بسبب ( مرض عبد ) مستأجر لخدمة أو صنعة لا يقدر معه على فعل ما استؤجر عليه ( و ) بسبب ( هربه ) بفتح الهاء والراء ، أي هروب العبد ( ل ) بلد بعيد ( ك ) بلد ( العدو ) أي الكافر المحارب للمسلمين فتفسخ إجارته ( إلا أن يرجع ) العبد لصحته أو لبلد مستأجره ( في بقيته ) أي زمن إجارته فيلزمه بقية عمله توفية للعقد ، ويسقط من أجرته حصة أيام مرضه أو هربه ، فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى من أجر عبده ثم هرب السيد إلى بلد الحرب فالأجرة بحالها لا تنتقض ، وأما إن هرب [ ص: 523 ] العبد إلى بلد الحرب أو أبق فتنفسخ الإجارة بينهما إلا أن يرجع العبد في بقية من المدة فيلزمه تمامها . قال الإمام مالك " رضي الله عنه " لو مرض العبد المستأجر مرضا بينا انفسخت الإجارة بينهما إلا أن يصح العبد قبل تمام المدة فيلزمه تمامها . قال غيره إلا أن يكونا تفاسخا أو فسخ ذلك بينهما قبل ذلك فلا يلزمه تمامها . أبو الحسن قوله تفسخ الإجارة ظاهره بحكم وعليه فقول الغير خلاف ، وعليه حمله ابن يونس ، قال ويحتمل الوفاق وأنه لم ينفسخ أولا بحكم ابن يونس ، وكذلك الدار ينهدم بعضها ، ثم يصلحها ربها قبل الفسخ ، وقد بقي بعض المدة فيلزمه تمامها . وأما لو انهدم جميعا ثم بناها فلا يلزم المكتري سكنى بقية المدة . ومن العتبية لو تروغ العبد المستأجر حتى تمت المدة انفسخت الإجارة ، وإن كان عمل شيئا فله بحسابه ، وهذا في شهر أو سنة معينة وإنما الذي يلزمه عمله بعد ذلك مثل أن يقول اطحن في هذا الشهر في كل يوم ويبة ، فهذا لا يضر ذكر الوقت فيه ، ويلزمه العمل بعده وليس بواقع على وقت ، ولكن على عمل مسمى ، وكمن قال للسقاء اسكب لي في هذا الشهر ثلاثين قلة فتروغ فيه ، فذلك باق عليه . ابن رشد من استأجر أجيرا لشهر بعينه فمرضه كله أو مرض بعضها أو ورغ فيه فلا يلزمه قضاؤه في يوم آخر ، بل لا يجوز رضاهما به إذا كان قد نقد إلا فيما قل لأنه فسخ دين في دين .

( بخلاف ) حدوث ( مرض دابة ) مكتراة ( في سفر ) منعها مما اكتريت له من ركوب أو حمل ( ثم تصح ) الدابة في بقية المدة فلا ترجع للعمل الذي اكتريت له بعد الفسخ . فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى إذا اعتلت الدابة المكتراة في الطريق ، أي وهي معينة في عقد كرائها فسخ الكراء وإن صحت بعد ذلك فلا يلزمه كراؤها بقية الطريق . بخلاف العبد للضرورة في صبر المسافر عليها ، وهي وإن صحت بعده لم تلحقه ، وإن لحقته فلعله قد اكترى غيرها . ابن يونس أراد كذلك لو كان إيجاره العبد في السفر لأنه يلحقه فيه من الضرر ما يلحقه في الدابة . وافترق جوابه في العبد والدابة لاختلاف السؤال عن العبد في الحضر والدابة في السفر ، ولو كانت في الحضر والعبد في السفر فاستوى الجواب . [ ص: 524 ]

( وخير ) بضم الخاء المعجمة وكسر المثناة مشددة المستأجر في فسخ إجارته وعدمه ( إن تبين أنه ) أي الأجير حرا أو عبدا لخدمة أو عمل أو رعي ( سارق ) أي شأنه السرقة لأنه عيب مضر فيها من استأجر عبدا للخدمة فألفاه سارقا فهو عيب يرد به كالبيع ، ولأنه لا يستطيع التحفظ منه بخلاف ما إذا لقيت المساقي بالفتح سارقا . ابن يونس لأن أجير الخدمة قد ملكت جميع منافعه فهو كالشراء والمساقي إنما أوجر في شيء بعينه ، فأنت تقدر على التحفظ منه .

( و ) إن أجر ولي صغيرا أو سلعه مدة فرشد فيها خير الرشيد في فسخ إجارته وعدمه ( ب ) سبب ( رشد صغير عقد ) الإجارة ( عليه ) أي الصغير نفسه ( أو ) عقدها ( على سلعه ) أي الصغير ، وفاعل عقد ( ولي ) أي أب أو وصي له أو مقدم عليه في كل حال ( إلا لظن ) الولي ل ( عدم بلوغه ) أي الصغير في مدة الإجارة فتخلف ظنه برشده ( و ) قد ( بقي ) منها يسير ( كأشهر ) فيلزمه إتمامها ، فإن بقي منها كثير فلا يلزمه ، وهذا في العقد على نفسه ، وأما في العقد على سلعه فيلزمه إتمامها ولو بقي منها كثير . فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى من أجر يتيما في حجره ثلاث سنين فاحتلم بعد سنة ولم يظن ذلك به ، فلا يلزمه باقي المدة إلا أن يبقى كالشهر ويسير الأيام ، ولا يؤاجر وصي يتيمه ولا أب ولده بعد احتلامه بحي ورشده وإن أكرى الوصي ربع يتيمه ودوابه ورقيقه سنين فاحتلم بعد مضي سنة فإن كان يظن بمثله أن لا يحتلم في تلك المدة فعجل عليه الاحتلام وأيس منه فلا فسخ له ويلزمه باقيها لأن الوصي صنع ما جاز له وأما إن عقد عليه أمدا يعلم أنه يبلغ فيه فلا يلزمه في نفسه ولا فيما يملك من ربع وغيره وكذلك الأب . طفي وأنت إذا تأملت ظهر لك أن ، هذا أي التخيير بين الفسخ وعدمه مراد من عبر بالفسخ كابن الحاجب ، وتبعه المصنف والشارحان ، ولذا أتى المصنف بباء الجر [ ص: 525 ] عطفا على ما يفسخ به ، ولا يتوهم تحتم الفسخ لأنه حق للرشيد لا عليه كيف .

وقد نقل الشارح لفظ التهذيب وعبارة ابن شاس انفسخت الإجارة ولا يلزمه باقي المدة . ا هـ . فهذا أدل دليل على أن مراد من عبر بالفسخ عدم اللزوم ، ولا شك أن ابن الحاجب نسج على منوال ابن شاس ، وتبعه المصنف ، وتقريره بالعطف على معمول خير يشكل بدخول الباء ، فإن أجيب بأنه عطف على التوهم أي خبر بأن تبين أنه سارق ويرشد إلخ فيشكل بما بعده من قوله وبموت مستحق وقف لتحتم الفسخ فيه والله أعلم " غ " في بعض النسخ كرشد صغير بكاف التشبيه وهو الصواب ، وهو راجع للتخيير ابن عاشر قد قطع ابن القاسم بالفسخ فيطلب نقل يساعد محمل " غ " وإن كان واضحا من جهة النظر البناني والعجب منه ولفظ المدونة المتقدم صريح في التخيير ، إذ قولها فلا يلزمه صريح فيه ، وإذا تأملت ظهر لك أن هذا مراد من مجبر بالفسخ كابن الحاجب ، ثم قال وبالجملة فلا درك على المصنف إلا في قوله وبقي كالشهر ، فإن ظاهره أنه يرجع للمسألتين وهو قول أشهب والمعتمد قول ابن القاسم بأنه مختص بالأولى والله أعلم .

وشبه في اللزوم فقال ( ك ) عقد ولي ( سفيه ) أي بالغ لا يحسن حفظ ماله ولا تصرفه فيه على منافع ربعه أو رقيقه أو دابته ( ثلاث سنين ) فرشد فيها فيلزمه البقاء على حكم الكراء والإجارة إلى تمامها لفعل وليه ما جاز له . فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى وأما سفيه بالغ أجر عليه ولي أو سلطان ربعه ورقيقه سنتين أو ثلاثا ثم انتقل إلى حال الرشد فذلك يلزمه لأن الولي عقد يومئذ ما جاز له ( و ) فسخت ( ب ) سبب ( موت ) شخص ( مستحق ) بكسر الحاء المهملة ربعا ( وقفا آجر ) بمد الهمز أي أكرى المستحق لوقف سنين ( ومات ) المستحق المؤجر ( قبل تقضيها ) بفتح الفوقية والقاف ، أي انقضاء المدة التي أجر الوقف فيها فتنفسخ الإجارة لانقطاع حقه من الوقف بمجرد موته وانتقال الحق لمن يليه في ترتيب الوقف ( على الأصح ) من الخلاف عند ابن رشد وغيره ، ومقابله إذا [ ص: 526 ] أكرى المستحق الوقف مدة يجوز له كراؤه فيها ومات فيها فإن كراءه لا ينفسخ ، وفهم منه أنه إن أجره غير مستحق كواقف وناظر مدة ومات قبل تقضيها فلا يفسخ وهو كذلك . ابن شاس إن مات البطن الأول من ذوي الوقف بعد إجارته قبل تمام مدتها انفسخت الإجارة في باقي المدة لتناولها ما لا حق فيه للمؤجر . وقيل إن أكرى مدة يجوز الكراء لها لزم باقيها ، ونقل ابن الحاجب القولين بلا ترجيح . ابن عرفة لا أعرف هذا القول الثاني لغير ابن شاس ، ولم يعزه ابن هارون ولا ابن عبد السلام ، وظاهر أقوال الشيوخ نفيه . وفيها إن أعمرك رجل حياتك خدمة عبد فلا تؤاجره إلا لمدة قريبة كسنة أو سنتين أو أمدا مأمونا ، ولو أوصى لك بخدمته عشر سنين فأكريته فيها جاز ، وهو خلاف المخدم حياته لأنه إن مات المخدم حياته سقطت الخدمة ، أو المؤجل يلزم فيها لورثة الميت ثم ذكر عن ابن رشد والمتيطي وابن فتوح أنه ينتقض بموت المخدم فيها .




الخدمات العلمية