الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا حظر ، وتعين ، [ ص: 495 ] ولو مصحفا ، وأرضا غمر ماؤها ، وندر انكشافه

التالي السابق


( و ) ب ( لا حظر ) بفتح الحاء المهملة وسكون الظاء المعجمة أي منع من استيفائها فلا تجوز الإجارة على ممنوع شرعا ، كقتل أو قطع أو ضرب عدوانا . ابن عرفة تبع ابن شاس الغزالي في قوله العجز الشرعي كالحسي في الإبطال ، فلو استؤجر على قلع سن صحيحة أو قطع يد صحيحة لم تجز ولو كانت اليد متأكلة والسن متوجعة جازت . ابن وهب وأشهب من ذهب بعض كفه فخاف على باقي يده فلا بأس أن تقطع يده من المفصل إن لم يخف موته . ابن رشد إن كان خوف موته من بقاء يده أشد من خوف موته لقطعها فله قطعها . عياض يأتي على ما أدخله الطبري في النهي من خلق له إصبع أو يد زائدة أنه لا يجوز له قطعها ولا نزعها لأنه تغيير لخلق الله تعالى إلا أن يكون هذا الزائد يؤذيه ويؤلمه من إصبع أو ضرس فلا بأس بنزعه على كل حال .

( و ) بلا ( تعين ) بفتح الفوقية والعين المهملة وضم التحتية مثقلة ، أي طلب المنفعة [ ص: 495 ] من مكلف بعينه ولو غير فرض كرغيبة وضحى وصوم عاشوراء وحج تطوع وعمرة وتجهيز ميت متعين والتقاط لقطة خيف عليها الخيانة ، فلا تصح الإجارة على شيء منها لتعينه على الأجير . ابن يونس لا جعل لمن وجد ضالة وأتى بها ، إذ لا جعل في رد الأمانة إلى ربها . ابن رشد الجعل لا تجوز فيما يلزم الرجل فعله ، وإنما يجوز فيما لا يلزمه فعله . الإمام مالك " رضي الله عنه " لو قال دلني على امرأة أتزوجها ولك كذا فدله فلا شيء له . ابن رشد معناه أشر علي وانصح لي في ذلك ، وهذا لو سأله دون جعل للزمه أن يفعله لحديث الدين النصيحة . ابن شاس تقدم الكلام في الاستنابة على الحج والإجارة عليه . وأما حمل الجنازة وحفر القبر وغسل الميت فتجزي فيه النيابة والأجرة . وتجوز الإجارة على الإمامة مع الأذان ، ولا تجوز على الصلاة بانفرادها فرضا كانت أو نفلا ، ولا على العبادات التي لا تجزي النيابة فيها كالصلاة والصيام ونحوهما ، وتصح إجارة ماله منفعة متقومة مقدورة على تسليمها بلا استيفاء عين قصدا غير محظورة ولا متعينة إن كان غير مصحف وأرض غمرها الماء وندر انكشافها وشجر لتجفيف ثياب ، بل ( ولو ) كان ( مصحفا ) بضم فسكون أي كتابا مشتملا على القرآن العزيز فتصح إجارته للقراءة فيه . فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى لحوز إجارة المصحف لمن يقرأ فيه لجواز بيعه . وأجاز الإمام مالك " رضي الله عنه " وكثير من التابعين بيعه . قال ابن عباس " رضي الله عنه " ما لم تجعله تجرا ، أما ما عملته بيدك فجائز . وتجوز الإجارة على كتابته . أبو الحسن انظر قول ابن عباس ما لم تجعله تجرا هل معناه فلا يجوز أو فيكره ، وأشار ب ولو لمنع ابن حبيب إجارته .

( وأرضا غمر ) بفتح الغين المعجمة والميم أي كثر ( ماؤها ) الجاري عليها ( وندر ) بفتح النون والدال المهملة ، أي قل جدا ( انكشافه ) أي زوال الماء عن الأرض فيصح كراها والماء الكثير غامرها . وأما ما لا تنكشف أصلا فلا يصح كراؤها لعدم القدرة على تسليمها . ابن الحاجب لا تجوز إجارة الأرض للزراعة وماؤها غامر وانكشافه [ ص: 496 ] نادر . ابن عرفة ظاهر المدونة والموازية جوازه ، وإنما منعه الغير ونصها من أكرى أرضه الغرقة بكذا إن انكشف ماؤها وإلا فلا كراء بينهم ، وهو يخاف أن لا ينكشف عنها جاز إن لم ينقد ولا يجوز النقد إلا أن يوقن بانكشافه . وقال غيره إن خيف أن لا ينكشف فلا يجوز وإن لم ينقد . في المقدمات تحصيل مذهب ابن القاسم جواز العقد كانت الأرض أرض مطر أو نيل أو غيرهما مأمونة أو غير مأمونة . وأما بالنسبة إلى جواز النقد ووجوبه فما كان من الأرض مأمونا كأرض النيل والمطر المأمونة وأرض السقي بالعيون الثابتة والآبار المعينة فالنقد فيها للأعوام الكثيرة جائز . وما كان منها غير مأمون فلا يجوز النقد فيه إلا بعد أن يروى ويتمكن من الحرث كانت من أرض النيل أو المطر أو السقي بالعيون والآبار . وأما وجوب النقد فيجب عنده في أرض النيل إذا رويت ، إذ لا تحتاج إلى غيره . وأما غيرها فلا يجب فيها النقد حتى يتم الزرع ويستغنى عن الماء .




الخدمات العلمية