الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إلا معروفة كالسكنى ، فالقول لمفردها ، وتؤولت أيضا بخلافه

التالي السابق


واستثني من الدور التي تجمع في القسمة جبرا على من أباه لمن طلبه فقال ( إلا دارا معروفة بالسكنى ) لمورثهم دعا أحدهم لإفرادها بالقسم وبعضهم لجمعها مع غيرها فيه ( فالقول لمفردها ) بكسر الراء أي طالب إفرادها بالقسم ليحصل له منها حظ إن احتملت القسم ، وتأول الأول الأكثر المدونة عليه . ابن ناجي وهو المشهور ( وتؤولت ) بضم الفوقية والهمز وكسر الواو مشددة ، أي فهمت المدونة ( أيضا ) أي كما تؤولت بأن القول لمفردها ( بخلافه ) أي أن القول لمن دعا لجمعها إذا لم يكن للميت دار غيرها يسكنها ، وهذا فهم ابن أبي زمنين . [ ص: 261 ] فإن كان له دار أخرى كان يسكنها جمعتا في القسم ، ولا يجاب من دعا لإفرادهما أفاده تت . عج هذا ليس على ما ينبغي ، والذي يفيده النقل أن الثاني أرجح من الأول الذي هو لفضل وحده طفي قول تت وتأول الأكثر المدونة عليه إلخ ، زاد في كبيره وهو ما في كتاب ابن حبيب إذا مات الرجل الشريف وترك دارا كان يسكنها ولها حرمة بسكناه وترك دورا غيرها فإن كانت بالقرب منها فتشاح الورثة في تلك الدار ، وأراد كل واحد حظه منه فإنها تقسم وحدها إن كانت تنقسم ، ويعمل في غيرها ما ينبغي ، فجعل كلام المصنف في التأويل الأول موافقا لقول ابن حبيب ، ولذا عزاه للأكثر تبعا لقول التوضيح عن ابن عبد السلام ، والأكثر ممن لقيناه على ما في الواضحة . ا هـ .

وكلام تت غير ظاهر من جهة أن ما عزاه ابن عبد السلام لأكثر من لقيه ليس هو تأويلا عليها بنفس كلام ابن حبيب ، ونص ابن عبد السلام والعبارة في المدونة بألفاظ مضطربة ، والأكثر ممن لقيناه على ما في كتاب ابن حبيب ، وساق كلامه المتقدم ، فمراده والله أعلم بكونهم على ما في كتاب ابن حبيب إفرادها بالقسم لا من كل وجه لأن ابن حبيب قد يكون الرجل شريفا ولم يقيد به فيها ، ولم أر من تأولها على قول ابن حبيب لا في أبي الحسن ولا في ابن ناجي ولا في تنبيهات عياض ، وإنما ذكر التأويلين فضل وابن أبي زمنين ، وجعل ابن عرفة قول ابن حبيب ثالثا مخالفا لهما ، فقال وفي كون المعروفة بسكنى الميت كغيرها وقبول قول مريد إفرادها . ثالثها إن كان شريفا لها به حرمة لابن أبي زمنين مع أكثر مختصريها وفضل وابن حبيب ، ففي تقرير المصنف في توضيحه قول ابن الحاجب إلا أن تكون واحدة معروفة بسكناهم فتفرد إن تشاحوا فيها بقول ابن حبيب ، نظر وتبعه على ذلك الشارح وإياهما تبع تت والله أعلم . ثم إن عبارة ابن الحاجب أوفق بقولها وإذا تشاح الورثة في دار من دور الميت كانوا يسكنونها فأراد كل وارث أخذ حظه منها لفرضها المسألة في سكناهم لا في انفراد الميت بالسكنى ، وأنهم تشاحوا في إفرادها وكل أراد أخذ حظه منها بخلاف عبارة المصنف [ ص: 262 ] وابن عرفة ، وأبقى عياض المدونة على ظاهرها ، وحكي عن بعض الشيوخ تخصيص الساكنين بكونهم من الولد دون العصبة ، قال وهذا في غير الشريف أما الرجل الشريف فسواء بنوه وعصبته ممن سكنها أو لم يسكنها إذ لها حرمة في نفسها توجب إفرادها بالقسم .

( تنبيهات ) الأول : طفي قوله إن تساوت قيمة ورغبة عبارة أهل المذهب نفاقا ورغبة ، ففي المدونة فإن كانت الدور في النفاق والرغبة في مواضعها وتشاح الناس فيها سواء ، وكان بعضها قريبا من بعض جمعت في القسم ، وكذا عبارة اللخمي وابن رشد وابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة وغير واحد ، والمراد بالنفاق الرغبة والتشاح فهي ألفاظ متقاربة ، ولذا اكتفى ابن عرفة بالنفاق فقال في جميع الدور في القسم بتقارب مواضعها أو تساوي نفاقها ثالثهما بهما . ا هـ .

والمراد بالنفاق أن تكون كل واحدة بمحل مرغوب فيه اللخمي فإن كانت إحداهما بمحلة شريفة والأخرى مرغوب عنها فلا يجمعان ولم أر من عبر بالاستواء في القيمة ، فإن أراد الاستواء في القدر بأن يكون قدر قيمة هذه كهذه فلا أخالهم يشترطونه . سحنون إن كان بناء إحداهما أجود جمعتا إن كانتا في نمط واحد . ا هـ . والمراد بالنمط التقارب ، وعزا ابن عرفة ما درج عليه المصنف من اشتراط القرب وتساوي النفاق لسحنون ، وهو مذهب المدونة على تأويل بعضهم ، وإن أراد به الاستواء في الغلاء والرخص حتى لو كانت إحداهما صغيرة قدر نصف الأخرى تكون قيمتها قدر قيمة نصفها فهو يرجع إلى النفاق والرغبة . البناني في بعض النسخ نفاقا بدل قيمة ، وهو الصواب ، إذ هو الذي في المدونة وابن رشد واللخمي وابن شاس وابن الحاجب وغيرهم ، وعطف الرغبة على النفاق إما عطف تفسير ، ولذا اقتصر ابن عرفة على ذكر النفاق ، ويحمل النفاق على رغبة الأجانب والرغبة على رغبة الشركاء إذ لا يلزم من اتحاد رغبة الأجانب اتحاد رغبة الشركاء لأن رغبتهم في مسكن مورثهم أكثر من رغبتهم في غيره ولو كان أفضل منه ، وأما الاستواء في القيمة [ ص: 263 ] فلم يشترطوه جزما كما يفيد كلام اللخمي .

الثاني : طفي جمع المصنف الدور والأقرحة وجعل كالميل حدا للقرب فيهما ، والمدونة لم تجعله حدا له إلا في الأرضين والحوائط ، ففي الأم لم يحد لنا مالك " رضي الله عنه " قرب الأرض بعضها من بعض ، وأرى الميل وشبهه قريبا في الحوائط والأرضين ، وفي التهذيب فيما تقارب في أماكنه وتساوى في كرمه من قرى كثيرة أو حوائط أو أقرحة جمع في القسم ، والميل وشبه في ذلك قريب ، وأما الدور فلم أر فيها إلا ما تقدم من قولها وكان بعضها قريبا من بعض ، ثم قالت : وإن اختلفت وكان بين البلدين مسيرة اليوم واليومين وتساوى الموضعان في الرغبة والنفاق فلا تجمعان في القسم ا هـ . وقد نسج ابن الحاجب على منوالها فقال : وتجمع الدور المتقاربة المكان المستوية نفاقا ورغبة ، ثم قاله وكذلك القرى والحوائط والأقرحة يجمع ما تقارب مكانه كالميل ونحوه وتساوى في كرمه وعيونه ، ولما تكلم في توضيحه على قول ابن الحاجب وتجمع الدور المتقاربة قال والتقارب قال في المدونة كالميل ونحوه مع أن المدونة لم تتكلم على الحد في الدور وكأنه أي أنه لا فرق بين الدور وغيرها ، وجرى على ذلك في مختصره ابن فرحون لم يتكلم ابن الحاجب على القرب في الدور . ونص صاحب التوضيح في مختصره أن الميل قرب وهو ظاهر المدونة يؤخذ من قولها وإن كان بين الدور مسيرة اليوم واليومين فلا يجمعان أبو الحسن لا يتصور هذا في المصر الواحد ، وإنما يتصور في البادية ، وظاهر كلام بعضهم مثل ما قدمناه عن التقريب ا هـ . وفي الأخذ الذي ذكره نظر ، والذي قدمه عن التقريب هو قوله وفي التقريب على التهذيب هذا إنما يكون بين القرى ، أي القرب بالميل ونحوه أما بين الديار في البلد في الاختلاف يحصل بنصف الميل . اللخمي يراعى قسم الدور في مواضعها ، فإن كانتا في محلتين متقاربتين جميعا كانتا في وسط البلد أو طرفه ، وإن كانت إحداهما بوسطه والأخرى في طرفه فلا تجمعان .

الثالث : البناني جرى المصنف قوله ولو بعلا إلخ على قول الباجي جواز الجمع [ ص: 264 ] بينهما هو مشهور المذهب لأنهما يزكيان بالعشر لكنه خلاف قول ابن زرقون لا يجمع البعل مع النضح ولا مع السيح اتفاقا إلا على رواية النخلة والزيتونة ، ومثله لابن رشد . اللخمي هذا قول ابن القاسم وأشهب . ابن عرفة سمع ابن القاسم لا يجمع النضح مع السقي بالعين . ابن رشد لم ينص هل يجمع ما يسقى بالعين مع البعل أو لا ظاهرها أنه لا يجمع مثل ما في الواضحة ، ونص سماع أشهب خلافه ما في الموطإ من قسم البعل مع العين إذا كان يشبهها ا هـ . وظاهر هذا أن الراجح خلاف ما اعتمده المصنف والله أعلم .




الخدمات العلمية