الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 89 ] أو فتح قيد عبد لئلا يأبق أو على غير عاقل ، إلا بمصاحبة ربه ، [ ص: 90 ] أو حرزا لمثلي ، ولو بغلاء بمثله

التالي السابق


( أو فتح قيد عبد ) قيد ( لئلا يأبق ) فأبق فيضمنه الفاتح سواء أبق عقب فتحه أو بعده ، ومفهوم لئلا يأبق أنه لو قيد نكالا فلا يضمنه من فتح قيده " ق " في لقطتها من حل عبدا من قيد قيد به لخوف إباقه فذهب العبد ضمن ( أو ) فتح بابا ( على ) حيوان ( غير عاقل ) من بهيمة أو طير فذهب فيضمنه الفاتح لتسببه في ضياعه " ق " في لقطتها من فتح باب قفص فيه طير فذهب الطير ضمن ومن حل دواب من مرابطها فذهبت ضمنها كالسارق يدع باب الحانوت مفتوحا وليس فيه ربه فيذهب ما في الحانوت فالسارق يضمنه ( إلا ) فتحه ( بمصاحبة ربه ) فيذهب ما فيه فلا يضمنه الفاتح إلا الطير لأنه لا يمكن رده عادة " ق " في لقطتها من فتح باب دار فيها دواب فذهبت ، فإن كانت الدار مسكونة فيها أهلها فلا يضمن ، وإن لم يكن فيها أربابها فيضمن ولو كان فيها ربها نائما فلا يضمن ، وكذلك السارق يدع الباب مفتوحا وأهل الدار فيها نيام أو غير نيام فلا يضمن ما ذهب بعد ذلك ، وإنما يضمن إذا ترك الباب مفتوحا وليس أرباب البيت فيه .

ابن عرفة المازري في حل رباط زق مملوء زيتا لرجل أبقاه مستندا كما وجده فأسقطه رجل فقال أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه لا ضمان على من حله سقط بفعل آدمي أو ريح وضمنوا من أسقطه غير قاصد إتلاف ما فيه ، لأنه المباشر إتلافه ، وفيه نظر ، والأولى اشتراكهما في ضمانه إذا علم أنه لو سقط مربوطا لا يذهب ما فيه ، ولو بقي محلولا لا يسقطه أحد لا يذهب ما فيه لأن التلف إنما حصل بفعلهما ولو انفرد أحدهما لم يحصل فهما كرجلين أخرجا شيئا ثقيلا من حرز لو انفرد أحدهما به لا يقدر على إخراجه فإنهما يضمنانه معا . الصقلي لابن حبيب عن الأخوين من جلس على ثوب رجل في الصلاة فقام [ ص: 90 ] ربه وهو تحت الجالس فتقطع لا ضمان على الجالس إذ لا يجد الناس من هذا بدا في صلاتهم . قلت والأظهر كونه منهما كمحرم جلس على صيد محرم فقتله ، وفي لقطتها من فتح باب قفص فيه طير فذهب الطير ضمن .

( أو فتح حرزا ) بكسر الحاء المهملة وسكون الراء أي بيتا أو حانوتا أو مطمورا أو قبرا مثلا فيه مال وتركه مفتوحا فذهب منه شيء فيضمنه فاتحه . قال الشارح على التفصيل السابق ، ثم بين ما يضمنه الغاصب فقال ( و ) يضمن الغاصب الشيء ( المثلي ) بكسر فسكون أي المكيل والموزون والمعدود إذا عيبه أو أتلفه إذا ساوى سعره وقت تضمينه سعره وقت غصبه ، بل ( ولو ) غصبه ( بغلاء ) وحكم عليه به وقت رخاء فيضمنه ( بمثله ) أي المثلي كيلا أو وزنا أو عددا وصفة وكذا عكسه . " ق " ابن رشد المثلي المكيل والموزون والمعدود الذي لا تختلف أعيان عدده كالجوز والبيض فيها لمالك رضي الله تعالى عنه من غصب لرجل طعاما أو إداما فاستهلكه فعليه مثله بموضع غصبه منه ، فإن لم يجد هناك مثله لزمه أن يأتي بمثله إلا أن يصطلحا على أمر جائز .

اللخمي اختلف إن غصبه طعاما ما في شدة ثم صار إلى رخاء هل يضمن مثله أو قيمته وعلى أنه يغرم قيمته فيغرم أعلى القيمة . المازري المشهور أن الحكم لا يتغير بذلك ويقضى بمثله ا هـ . الحط هذا إذا فات المغصوب ، أما إذا كان موجودا بيد الغاصب وأراد به أخذه والغاصب إعطاء مثله فلربه أخذه . ابن رشد إذا كان الحرام قائما عند آخذه لم يفت رد بعينه إلى ربه ومالكه ، وسواء كان له أي الغاصب مال حلال أو لم يكن ولا يحل لأحد أن يشتريه منه إن كان عرضا ولا يبايعه فيه إن كان عينا ولا يأكله إن كان طعاما ولا يقبل منه شيئا هبة ولا يأخذه منه في حق كان له عليه ومن فعل شيئا من ذلك وهو عالم كان سبيله سبيل الغاصب لأن ذلك لا يقطع تخيير صاحبه في أخذه ، وكذلك أيضا لو أفاته الغاصب إفاتة لا تقطع تخيير صاحبه في أخذه ، مثل أن تكون شاة فيذبحها أو بقعة فيبنيها دارا أو ثوبا فيخيطه أو يصبغه أو ما أشبه ذلك .

[ ص: 91 ] ولو أفاته إفاتة يلزمه بها القيمة أو المثل فيما له مثل وسقط خيار ربه في أخذه عند بعض العلماء كفضة صاغها حليا وصفر صنعه قدحا وخشب صنعه توابيت أو أبوابا وصوف وحرير وكتان عمله ثيابا وما أشبه ذلك لما جاز لأحد أن يشتريه لخلاف من قال من العلماء لرب هذه الأشياء أخذ فضته مصوغة وصفره مصنوعا وخشبه معمولا وصوفه وحريره وكتانه منسوجا دون شيء يكون عليه للغاصب ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليس لعرق ظالم حق } ، روي بتنوين عرق على أن ظالما نعته ، وبعدمه لإضافته له ، وفي النكت عرق الظالم ما يحدث في المغصوب . ابن شعبان العروق أربعة ظاهران البناء والغرس ، وباطنان الآبار والعيون ابن بشير اتفقوا على أن الدنانير والدراهم تتعين بالنسبة إلى من كان ماله حراما أو فيه شبهة ، فإذا أراد من هو من أهل الخير أخذ عين دنانيره ودراهمه من الغاصب الذي ماله حرام أو فيه شبهة مكن من ذلك باتفاق .

وفي الجلاب ومن غصب دراهم فوجدها ربها بعينها وأراد أخذها وأبى الغاصب أن يردها وأراد رد مثلها فذلك للغاصب دون ربها قاله ابن القاسم وقال الأبهري ذلك لربها دون غاصبها . وقال غيره لم يقل هذا ابن القاسم فيه ، وإنما تؤول عليه هذا في البيع ولا شبهة ، وهو ما في كتاب السلم فيمن أسلمته في طعام ثم أقالك قبل التفرق ودراهمك في يده فأراد أن يعطيك غيرها فذلك له وإن كنت شرطت عليه استرجاعها بعينها سليمان البحيري ما في الجلاب عن ابن القاسم خلاف المشهور . التلمساني في شرح الجلاب والقرافي عنها في كتاب الشفعة ما يدل على أن لربها أخذها فعلم مما تقدم أنه ليس للغاصب أن يحبس المثلي ويدفع مثله حيث لم يحصل فيه مفوت ، والله أعلم . .




الخدمات العلمية