[ ص: 511 ] . لا إن خالف مرعى شرط أو أنزى بلا إذن . أو غر بفعل . فقيمته يوم التلف . [ ص: 512 - 513 ] أو صانع في مصنوعه . لا غيره ولو محتاجا له عمل . [ ص: 514 - 515 ] وإن ببينة . أو بلا أجر . إن نصب نفسه وغاب عليها . [ ص: 516 ] فبقيمته يوم دفعه . ولو شرط نفيه ، [ ص: 517 ] أو دعا لأخذه ، إلا أن تقوم بينة : فتسقط الأجرة ، وإلا أن يحضره بشرطه [ ص: 518 ] وصدق إن ادعى خوف موت : فنحر أو سرقة منحوره ، أو قلع ضرس أو صبغا : فنوزع ونوتي غرقت سفينته بفعل سائغ
باب في بيان أحكام الإجارة وكراء الدواب وغيرها
التالي
السابق
بكسر الراء ( سفينته بفعل سائغ ) له فيها وأولى بغير فعل ، كهيجان ريح أو اختلافه مع عجزه عن صرفها لما ترجى سلامتها معه . فيها إذا غرقت السفينة من مد النواتية الشراع فقال إن صنعوا ما يجوز لهم من المد والعمل فيها فلا يضمنون ، وإن تعدوا فأخرقوا في مد أو علاج فيضمنون ما هلك فيها من الناس والحمولة . ( و ) لا ضمان على ( نوتي ) بضم النون ، أي خادم سفينة ( غرقت ) ابن يونس أراد في أموالهم . وقيل إن الديات على عواقلهم ( لا ) ينتفي الضمان عن الراعي ( إن خالف ) الراعي ( مرعى شرط ) بضم فكسر عليه أن لا يرعى فيه مكانا أو زمانا كلا ترع في مكان كذا خوف وحوشه أو لصوصه أو ضرر عشبه ، كرعي الغنم في إثر الجاموس لحصول الغش ، وهو فساد الجوف لها بذلك ، أو لا ترع أيام الخريف أو الأربعانية بمصر قبل ارتفاع الندى عن النبات . فيها إن شرط رعيه في موضع فرعى في غيره ضمن يوم تعديه وله أجر رعيه إليه .
( أو أنزى ) بفتح الهمز وسكون النون وإعجام الزاي أي فيضمنها . فيها إن حمل الراعي الذكر على الأنثى ( بغير إذن ) من المالك فماتت منه أو من الولادة ضمنها ( أو غر ) بفتح الغين المعجمة وشد الراء أي خاطر ( بفعل ) كربط بحبل رث ومشى في زلق فتلف الشيء بسبب تغريره فيضمنه . فيها من أنزى الراعي على النعم بغير إذن أهلها مصر إلى فلسطين فعثرت بالعريش ضمن قيمة الدهن أكرى دابته وهي عثور أو ربوض ولم يعلم المكتري بذلك فحمل عليها دهنا من بالعريش . وقال غيره بمصر لأنها منها تعدى ( فقيمته ) أي الشيء المتعدى عليه بإرعائه في غير محل الإذن أو الإنزاء عليه بلا إذن أو المغرر فيه بفعل معتبرة ( يوم التلف ) تلزم الأجير للمستأجر ، وله أجرته إليه . [ ص: 512 ] تت أعاد هذا مع أنه قدمه في مفهوم قوله ولم يغر بفعل ، إما لعدم اعتبار المفهوم لكونه مفهوم غير شرط ، أو ليرتب عليه فقيمته يوم التلف . طفي وقد ترجم ابن عرفة بقوله وما تلف بسبب عيب دلسه المكري ضمنه ، ثم نقل كلامها في مسألة الطحن والعريش ، وقال عقبه وأخذ بعضهم من مسألة كسر الثور المطحنة التضمين بالغرور بالقول لأن عقد الكراء إنما هو باللفظ .
يرد بأن إيجاب لزوم العقد يصيره كالفعل . وقال في موضع آخر القول إن تضمن عقدا كان بالفعل لا بالقول ، ومن تأمل وأنصف فهمه من قولها من قال لرجل فلانة حرة ثم زوجها منه غيره فلا رجوع للزوج على المخبر ، ولو علم أنها أمة وأن وليه عالم رجع عليه بالصداق ، وبهذا يرد قول التونسي في مكري الدابة العثور إن أسلمها مكريها وهو عالم بعثارها لمكتريها فحمل عليها فهو غرور بالقول مختلف فيه . وإن أسلم المتاع ربه لرب الدابة فحمله عليها ضمنه الجمال لتعديه ا هـ . وفيما قاله ابن عرفة نظر إذ قوله إن الغرور إذا تضمن عقدا كان غرورا بالفعل واستدلاله على هذا بقولها من قال لرجل إلخ يقتضي أنه في التدليس في الكراء لا بد أن يباشر العقد وإلا فلا يضمن ، وليس كذلك لإطلاق المدونة الضمان حيث علم بالعيب وكتمه وإطلاقها عنه الشيوخ كالعموم حسبما نص عليه ابن عرفة آخر الغصب ، ولذا جعله التونسي من الضمان بالغرور بالقول ، ومثله لأبي إبراهيم الأعرج وتبعهما أبو الحسن .
البناني ما اعترض به طفي كلام ابن عرفة غير ظاهر فتأمله . طفي حيث حكمنا بالضمان عند الغرور بكتم عيب نشأ عنه تلف فهو خاص بالكراء فلا ضمان به في البيع إلا أن يهلك المبيع بعيب التدليس . ابن عرفة في نوازل الشعبي محمد بن عبد الملك من فلا يضمن البائع الزيت ، كتدليسه بسرقة عبد فسرق من المشتري فلا يضمن بائعه المسروق ولو أكراه الخابية كذلك فإنه يضمن الزيت ا هـ . باع [ ص: 513 ] خابية دلس فيها بكسر وعلم أن المشتري يجعل فيها زيتا فجعله المشتري فيها فسال من كسرها البرزلي مثله من باع مطمرا يسيس مدلسا وأكراه كذلك . ا هـ . والفرق بين البيع والإكراء أن المنافع في ضمان المكري حتى يستوفيها المكتري ، بخلاف البيع ، والله أعلم . وعطف على معنى خلف مرعي شرط ، أي لا مخالف إلخ فقال كثوب يخيطه وغزل ينسجه وعين يصبغها ونحاس يصنعه إناء وحب يطحنه وزيتون يعصره و ( لا ) ضمان عليه في ( غيره ) أي مصنوعه إن لم يحتج له عمله كبخشة للثوب المخيط أو المنسوج وكيس للعين ، بل ( ولو ) كان غير المصنوع ( محتاجا له عمل ) الصانع كخابية للزيت وقفة للدقيق . ( أو صانع ) فعليه الضمان ( في مصنوعه ) الذي تتعلق صنعته به
ابن رشد الأصل في الصناع أنه لا ضمان عليهم وأنهم مؤتمنون لأنهم أجراء ، وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم الضمان عن الأجراء ، وخصص العلماء من ذلك الصناع وضمنوهم نظرا واجتهادا لضرورة الناس لغلبة فقر الصناع ورقة ديانتهم واضطرار الناس إلى صنعتهم فتضمينهم من المصالح العامة الغالبة التي تجب مراعاتها . في التوضيح أبو المعالي رضي الله تعالى عنه كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح ، وقد نقل عنه قتل ثلث العامة لإصلاح الثلثين . الإمام مالك المازري ما حكاه أبو المعالي عن صحيح . زاد الحط بعده عن شرح المحصول ما ذكره مالك إمام الحرمين عن لم يوجد في كتب المالكية . مالك البناني شيخ شيوخنا المحقق محمد بن عبد القادر هذا الكلام لا يجوز أن يسطر في الكتب لئلا يغتر به بعض ضعفة الطلباء ، وهذا لا يوافق شيئا من القواعد الشرعية . الشهاب القرافي ما نقله إمام الحرمين عن أنكره المالكية إنكارا شديدا ولم يوجد في كتبهم . مالك
ابن الشماع ما نقله إمام الحرمين لم ينقله أحد من علماء المذهب ولم يخبر أنه رواه نقلته ، إنما ألزمه ذلك ، وقد اضطرب إمام الحرمين في ذكره ذلك عنه كما اتضح ذلك من كتاب البرهان . وقول المازري ما حكاه أبو المعالي صحيح راجع لأول الكلام [ ص: 514 ] وهو أنه كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح لا إلى قوله نقل عنه قتل الثلث إلخ ، أو أنه حمله على تترس الكفار ببعض المسلمين ، وقوله يبني مذهبه على المصالح كثيرا فيه نظر لإنكار المالكية ذلك إلا على وجه مخصوص حسبما تقرر في الأصول ، ولا يصح حمله على الإطلاق والعموم حتى يجري في الفتن التي تقع بين المسلمين وما يشبهها . وقد أشبع الكلام في هذا شيخ شيوخنا العلامة المحقق مالك أبو عبد الله سيدي العربي الفاسي في جواب له طويل ، وقد نقلت منه ما قيدته أعلاه وهو تنبيه مهم تنبغي المحافظة عليه لئلا يغتر بما في التوضيح ا هـ .
وأما تأويل " ز " بأن المراد قتل ثلث المفسدين إذا تعين طريقا لإصلاح بقيتهم فغير صحيح ، ولا يحل القول به ، فإن الشارع إنما وضع لإصلاح المفسدين الحدود عند ثبوت موجباتها ، ومن لم تصلحه السنة فلا أصلحه الله تعالى ، ومثل هذا التأويل الفاسد هو الذي يوقع كثيرا من الظلمة المفسدين في سفك دماء المسلمين نعوذ بالله من شرور الفساد . وفي الحديث { } . ولما ذكر من شارك في دم امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جيء به يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله اللخمي أن فإنهم يقترعون على من يرمى الرجال والنساء والعبيد وأهل الذمة فيه سواء . المركب إذا ثقل بالناس وخيف غرقه
قال ابن عرفة عقبه تعقب غير واحد نقل اللخمي طرح الذمي لنجاة غيره ، وربما نسبه بعضهم لخرق الإجماع ، وقالوا لا يرمى الآدمي لنجاة الباقين ولو ذميا أفاده البناني ، وقول رضي الله تعالى عنه تضمينهم ما يغيبون عليه ويدعون تلفه ولم يعلم ذلك إلا من قولهم ولا ضمان عليهم فيما ثبت ضياعه ببينة من غير تضييع ، وتابعه على ذلك جميع أصحابه إلا الإمام مالك فإنه ضمنهم ، وإن قامت بينة بالتلف ولقوله حظ من النظر ، لأنه لما وجب تضمينهم للمصلحة العامة وجب أن لا يسقط عنهم به حسما للذريعة ، لأن ما طريقه المصلحة وسد الذريعة لا يخصص بموضع من قبيل هذا شهادة الابن لأبيه ، ولأن من ضمن بلا بينة ضمن ، وإن قامت البينة . وقول أشهب رضي الله تعالى عنه أصح . الإمام مالك ابن شاس محمد يضمن الصانع ما لا صنعة [ ص: 515 ] له فيه إذا كان مما لا يستغنى عن حضوره عند الصانع كالكتاب المنتسخ منه والمثال الذي يعمل عليه وجفن السيف الذي يصاغ على نصله إذا كان بحيث لو سلم للصانع بغير جفن فسد ، ومثله ظرف القمح والعجين . وقال لا يضمن ذلك كله . سحنون اللخمي قول محمد أحسن . ابن رشد إذا كان الثوب غليظا لا يحتاج إلى وقاية فلا خلاف أن الصانع لا يضمن المنديل الذي يجعل فيه وإلا ففي ضمانه ثلاثة أقوال قول وقول سحنون ابن حبيب وقول ابن المواز مع مذهب . ويضمن الصانع مصنوعه إن عمله بحانوت بأجر ، بل ( وإن ) عمل ( ببيت ) مالك اللخمي سواء كان بسوقها أو داره ( أو ) عمل ( بلا أجر ) فيها ما قبضوه بغير بينة أو عملوه بغير أجر كغيره . ابن رشد سواء على مذهب الإمام رضي الله تعالى عنه يستعمل الصانع بأجر أو بغير أجر ، وشرط ضمان الصانع مصنوعه ( إن نصب ) أي أقام الصانع ( نفسه ) للصنعة لعموم الناس ، فإن كان يصنع لشخص مخصوص فلا يضمن . مالك ابن عرفة اللخمي المنتصب من أقام نفسه لعمل الصنعة التي استعمل فيها كان بسوقها أو داره وغير المنتصب لها من لم يقم نفسه لها ولا منها معاشه .
قلت ظاهره ولو كان انتصابه لجماعة مخصوصة ، ونص عياض على أن الخاص بجماعة دون غيرهم لا ضمان عليه ونحوه في المقدمات ، ثم قال ففي ضمانه بمجرد نصب نفسه أو بقيد عمومه للناس قولان لظاهر سماع عيسى مع بعض شيوخ الصقلي ، وطريق عياض مع ابن رشد هذا في الصانع المشترك الذي نصب نفسه للعمل للناس . أما الصانع الخاص الذي لم ينصب نفسه للعمل للناس ، فلا يضمن فيما استعمل فيه ، سواء أسلم إليه أو عمله بمنزل رب المتاع .
( و ) إن ( غاب ) الصانع ( عليها ) أي الذات المصنوعة ، فإن عملها بحضرة ربها وملازمته فلا يضمن . ابن رشد ، وإن كان صاحبه قاعدا معه إلا فيما فيه تغرير من الأعمال مثل ثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران أو الثوب في قدر [ ص: 516 ] الصباغ وما أشبه ذلك ، فإنه لا ضمان عليهم فيما أتى على أيديهم فيه إلا أن يعلم أنه تعدى فيها أو أخذها على غير وجه مأخذها فيضمن حينئذ ، ومثل ذلك البيطار يطرح الدابة فتموت منه والخاتن يختن الصبي فيموت من ختانه والطبيب يسقي المريض فيموت من سقيه ، أو يكويه فيموت من كيه أو يقطع منه شيئا فيموت من قطعه ، والحجام يقلع ضرسه فيموت من قلعه فلا يضمن واحد من هؤلاء لا في ماله ولا عاقلته في جميع هذا لأن ما فيه التغرير كان صاحبه هو الذي عرضه لما أصابه ، وهذا إذا لم يخطئ في فعله ، فإن أخطأ مثل سقي الطبيب المريض ما لا يوافق مرضه أو تزل يد الخاتن أو القاطع فيتجاوز في القطع ، أو يد الكاوي فيتجاوز في الكي ، أو يد الحجام فيقلع غير الضرس التي أمر بقلعها . يضمن الصناع كل ما أتى على أيديهم من خرق أو كسر أو قطع إذا عمله في حانوته
فإن كان من أهل المعرفة ولم يغر من نفسه فذلك خطأ على العاقلة إلا أن يكون أقل من الثلث ، ففي ماله وإن كان لا يحسن أو غر من نفسه فيعاقب ، وظاهر قول الإمام رضي الله تعالى عنه أن الدية عليه . وقال مالك ابن القاسم على عاقلته وإذا ضمن الصانع ( ف ) يضمن المصنوع ( بقيمته ) معتبرة ( يوم دفعه ) ، أي المصنوع للصانع خاليا عن الصنعة ، وليس لربه أن يقول أنا أدفع الأجرة وآخذ قيمته معمولا لأن القيمة إنما تلزم الصانع يوم الدفع . ابن رشد إذا ، فإنه يضمن قيمته يوم دفعه إليه على ما يعرف من صفته حينئذ إلا أن يقر أن قيمته يوم ضاع كانت أكثر من قيمته يوم دفعه إليه بمدة ، فعليه قيمته يوم ظهر عنده على ما شهد به من قيمته يومئذ ، وإن كانت قيمته يومئذ أقل من قيمته يوم دفعه إليه ، وكذلك الرهن والعارية . ادعى الصانع ضياع المتاع الذي استعمل فيه
( و ) يضمن الصانع مصنوعه بالشروط المتقدمة ( ولو شرط ) الصانع ( نفيه ) أي الضمان عند ابن القاسم . وروى لا يضمن إن شرط نفيه وهما روايتان . أشهب ابن رشد إن اشترط الصانع أن لا ضمان عليه فلا ينفعه شرطه وعليه الضمان ، هذا قول رضي الله تعالى عنه في المدونة ، وينبغي على هذا أن له أجر مثله لأنه إنما رضي بالأجر المسمى لإسقاط الضمان عنه ، ويضمن الصانع إن لم يدع ربه لأخذه . [ ص: 517 ] الإمام مالك
( أو دعا ) الصانع ربه ( لأخذه ) أي المصنوع فلم يأخذه وضاع فيضمنه الصانع في كل حال فيها إذا دعاك الصانع لأخذ الثوب وقد فرغ منه فلم تأخذه فهو ضامن له حتى يصير إلى يدك . ابن عرفة هذا إن لم يقبض الأجرة ( إلا أن تقوم ) أي تشهد ( بينة ) بتلفه بلا تفريطه ولا تعديه ( ف ) لا يضمنه و ( تسقط الأجرة ) التي استؤجر بها عن مستأجره . فيها لابن القاسم لكل صانع أو حمال على ظهر أو سفينة منع ما حمل أو عمل حتى يأخذ أجره ، وإن هلك ذلك بأيديهم في منعهم فالصناع ضامنون ولا أجر لهم إلا أن تقوم بينة على الضياع فلا ضمان عليهم ولا أجر لهم لأنهم لم يسلموا ما عملوا إلى أربابه ، وفيها إن احترق الثوب عند القصار أو أفسده أو ضاع عنده بعد القصارة ضمن قيمته يوم قبضه أبيض ، وليس لربه أن يغرمه قيمته مصنوعا على صفة ويعطيه أجرته .
( وإلا أن يحضره ) أي الصانع المصنوع ( لربه ) مصنوعا ( بشرطه ) أي بالصفة التي شرطها عليه فتركه عنده فادعى ضياعه فلا يضمنه . اللخمي لو فيصدق لأنه خرج عن حكم الاستصناع وصار إلى حكم الإيداع . أحضر الصانع الثوب ورآه صاحبه مصنوعا بصفة ما شارطه عليه وكان قد دفع له الأجرة ثم تركه عنده فادعى ضياعه
( تنبيهات ) : الأول : لا فرق بين تلف المصنوع بالصنعة أو بغيرها . تلف بصنعته أو بغير صنعته في التوضيح كما ادعى أن سارقا سرقه . ابن الحاجب
الثاني : ابن رشد الضمان بسبب الصنعة إنما هو إذا لم يكن فيها تغرير . فإن كان فيها تغرير كثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران والثوب في قدر الصباغ ، فلا يضمن إلا أن يعلم أنه تعدى فيها أو أخذها على غير وجه مأخذها قاله ابن المواز .
الثالث : إذا فهو للصانع ، وكذلك لو ضاع المصنوع وغرم الصانع قيمته ثم يوجد . ادعى سيد عبد على رجل أنه سرق عبده فأنكره فصالحه على شيء ثم وجد العبد ابن رشد هو [ ص: 518 ] للمدعى عليه ولا ينقص الصلح صحيحا كان أو معيبا إلا أن يجده عنده قد أخفاه فهو لربه . وفي التهذيب في المكتري على الدابة فتضل فيغرم قيمتها ثم توجد فهي للمكتري .
( وصدق ) بضم الصاد وكسر الدال مثقلة الراعي ( إن ادعى ) الراعي ( خوف موت ) على بعير أو شاة مثلا ( فنحر ) أو ذبح ما خاف موته وكذبه ربه ، وقال له تعديت لأنه أمين ( أو ) ادعى الراعي ( سرقة منحوره ) أو مذبوحه الذي خاف موته وقال ربه بل بعته مثلا فيصدق الراعي لأنه أمين فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى والراعي مصدق فيما هلك أو سرق ، ولو قال ذبحتها ثم سرقت صدق ولو خاف موت الشاة فأتى بهما مذبوحة أو بثمنها صدق ولا يضمن ، فإن أكلها فلا يصدق قاله أبو عمر ، ونقله أبو الحسن .
( أو ) أدى الحجام ( قلع ضرس ) مأمور بقلعه وقال ربه بل بغيره فيصدق الحجام فلا يضمن ، وله أجر مثله . فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى إذا قلع الحجام ضرس رجل بأجر فقال له لم آمرك إلا بقلع الذي يليه فلا شيء عليه لأنه علم به حين قلعه فتركه وله أجره إلا أن يصدقه الحجام فلا أجر له ، أراد وعليه العقل في الخطأ والقصاص في العمد .
( أو ) ادعى الصباغ صبغ ثوب ب ( صبغ ) بكسر الصاد ، أي مصبوغ به كزعفران أمر به ( فنوزع ) بضم النون وكسر الزاي ، أي نازعه رب الثوب بأن قال له لم آمرك بصبغه بهذا بل بورس فيصدق الصابغ ، وكذا إذا تنازعا في قدر الأجرة أو قدر ما يصبغ به كعشرة دراهم وخمسة من زعفران . فيها إن صبغه أحمر أو أسود وقال بهذا أمرني ربه ، وقال ربه بأخضر صدق الصابغ إلا أن يصبغه صبغا لا يشبه مثله .
( أو أنزى ) بفتح الهمز وسكون النون وإعجام الزاي أي فيضمنها . فيها إن حمل الراعي الذكر على الأنثى ( بغير إذن ) من المالك فماتت منه أو من الولادة ضمنها ( أو غر ) بفتح الغين المعجمة وشد الراء أي خاطر ( بفعل ) كربط بحبل رث ومشى في زلق فتلف الشيء بسبب تغريره فيضمنه . فيها من أنزى الراعي على النعم بغير إذن أهلها مصر إلى فلسطين فعثرت بالعريش ضمن قيمة الدهن أكرى دابته وهي عثور أو ربوض ولم يعلم المكتري بذلك فحمل عليها دهنا من بالعريش . وقال غيره بمصر لأنها منها تعدى ( فقيمته ) أي الشيء المتعدى عليه بإرعائه في غير محل الإذن أو الإنزاء عليه بلا إذن أو المغرر فيه بفعل معتبرة ( يوم التلف ) تلزم الأجير للمستأجر ، وله أجرته إليه . [ ص: 512 ] تت أعاد هذا مع أنه قدمه في مفهوم قوله ولم يغر بفعل ، إما لعدم اعتبار المفهوم لكونه مفهوم غير شرط ، أو ليرتب عليه فقيمته يوم التلف . طفي وقد ترجم ابن عرفة بقوله وما تلف بسبب عيب دلسه المكري ضمنه ، ثم نقل كلامها في مسألة الطحن والعريش ، وقال عقبه وأخذ بعضهم من مسألة كسر الثور المطحنة التضمين بالغرور بالقول لأن عقد الكراء إنما هو باللفظ .
يرد بأن إيجاب لزوم العقد يصيره كالفعل . وقال في موضع آخر القول إن تضمن عقدا كان بالفعل لا بالقول ، ومن تأمل وأنصف فهمه من قولها من قال لرجل فلانة حرة ثم زوجها منه غيره فلا رجوع للزوج على المخبر ، ولو علم أنها أمة وأن وليه عالم رجع عليه بالصداق ، وبهذا يرد قول التونسي في مكري الدابة العثور إن أسلمها مكريها وهو عالم بعثارها لمكتريها فحمل عليها فهو غرور بالقول مختلف فيه . وإن أسلم المتاع ربه لرب الدابة فحمله عليها ضمنه الجمال لتعديه ا هـ . وفيما قاله ابن عرفة نظر إذ قوله إن الغرور إذا تضمن عقدا كان غرورا بالفعل واستدلاله على هذا بقولها من قال لرجل إلخ يقتضي أنه في التدليس في الكراء لا بد أن يباشر العقد وإلا فلا يضمن ، وليس كذلك لإطلاق المدونة الضمان حيث علم بالعيب وكتمه وإطلاقها عنه الشيوخ كالعموم حسبما نص عليه ابن عرفة آخر الغصب ، ولذا جعله التونسي من الضمان بالغرور بالقول ، ومثله لأبي إبراهيم الأعرج وتبعهما أبو الحسن .
البناني ما اعترض به طفي كلام ابن عرفة غير ظاهر فتأمله . طفي حيث حكمنا بالضمان عند الغرور بكتم عيب نشأ عنه تلف فهو خاص بالكراء فلا ضمان به في البيع إلا أن يهلك المبيع بعيب التدليس . ابن عرفة في نوازل الشعبي محمد بن عبد الملك من فلا يضمن البائع الزيت ، كتدليسه بسرقة عبد فسرق من المشتري فلا يضمن بائعه المسروق ولو أكراه الخابية كذلك فإنه يضمن الزيت ا هـ . باع [ ص: 513 ] خابية دلس فيها بكسر وعلم أن المشتري يجعل فيها زيتا فجعله المشتري فيها فسال من كسرها البرزلي مثله من باع مطمرا يسيس مدلسا وأكراه كذلك . ا هـ . والفرق بين البيع والإكراء أن المنافع في ضمان المكري حتى يستوفيها المكتري ، بخلاف البيع ، والله أعلم . وعطف على معنى خلف مرعي شرط ، أي لا مخالف إلخ فقال كثوب يخيطه وغزل ينسجه وعين يصبغها ونحاس يصنعه إناء وحب يطحنه وزيتون يعصره و ( لا ) ضمان عليه في ( غيره ) أي مصنوعه إن لم يحتج له عمله كبخشة للثوب المخيط أو المنسوج وكيس للعين ، بل ( ولو ) كان غير المصنوع ( محتاجا له عمل ) الصانع كخابية للزيت وقفة للدقيق . ( أو صانع ) فعليه الضمان ( في مصنوعه ) الذي تتعلق صنعته به
ابن رشد الأصل في الصناع أنه لا ضمان عليهم وأنهم مؤتمنون لأنهم أجراء ، وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم الضمان عن الأجراء ، وخصص العلماء من ذلك الصناع وضمنوهم نظرا واجتهادا لضرورة الناس لغلبة فقر الصناع ورقة ديانتهم واضطرار الناس إلى صنعتهم فتضمينهم من المصالح العامة الغالبة التي تجب مراعاتها . في التوضيح أبو المعالي رضي الله تعالى عنه كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح ، وقد نقل عنه قتل ثلث العامة لإصلاح الثلثين . الإمام مالك المازري ما حكاه أبو المعالي عن صحيح . زاد الحط بعده عن شرح المحصول ما ذكره مالك إمام الحرمين عن لم يوجد في كتب المالكية . مالك البناني شيخ شيوخنا المحقق محمد بن عبد القادر هذا الكلام لا يجوز أن يسطر في الكتب لئلا يغتر به بعض ضعفة الطلباء ، وهذا لا يوافق شيئا من القواعد الشرعية . الشهاب القرافي ما نقله إمام الحرمين عن أنكره المالكية إنكارا شديدا ولم يوجد في كتبهم . مالك
ابن الشماع ما نقله إمام الحرمين لم ينقله أحد من علماء المذهب ولم يخبر أنه رواه نقلته ، إنما ألزمه ذلك ، وقد اضطرب إمام الحرمين في ذكره ذلك عنه كما اتضح ذلك من كتاب البرهان . وقول المازري ما حكاه أبو المعالي صحيح راجع لأول الكلام [ ص: 514 ] وهو أنه كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح لا إلى قوله نقل عنه قتل الثلث إلخ ، أو أنه حمله على تترس الكفار ببعض المسلمين ، وقوله يبني مذهبه على المصالح كثيرا فيه نظر لإنكار المالكية ذلك إلا على وجه مخصوص حسبما تقرر في الأصول ، ولا يصح حمله على الإطلاق والعموم حتى يجري في الفتن التي تقع بين المسلمين وما يشبهها . وقد أشبع الكلام في هذا شيخ شيوخنا العلامة المحقق مالك أبو عبد الله سيدي العربي الفاسي في جواب له طويل ، وقد نقلت منه ما قيدته أعلاه وهو تنبيه مهم تنبغي المحافظة عليه لئلا يغتر بما في التوضيح ا هـ .
وأما تأويل " ز " بأن المراد قتل ثلث المفسدين إذا تعين طريقا لإصلاح بقيتهم فغير صحيح ، ولا يحل القول به ، فإن الشارع إنما وضع لإصلاح المفسدين الحدود عند ثبوت موجباتها ، ومن لم تصلحه السنة فلا أصلحه الله تعالى ، ومثل هذا التأويل الفاسد هو الذي يوقع كثيرا من الظلمة المفسدين في سفك دماء المسلمين نعوذ بالله من شرور الفساد . وفي الحديث { } . ولما ذكر من شارك في دم امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جيء به يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله اللخمي أن فإنهم يقترعون على من يرمى الرجال والنساء والعبيد وأهل الذمة فيه سواء . المركب إذا ثقل بالناس وخيف غرقه
قال ابن عرفة عقبه تعقب غير واحد نقل اللخمي طرح الذمي لنجاة غيره ، وربما نسبه بعضهم لخرق الإجماع ، وقالوا لا يرمى الآدمي لنجاة الباقين ولو ذميا أفاده البناني ، وقول رضي الله تعالى عنه تضمينهم ما يغيبون عليه ويدعون تلفه ولم يعلم ذلك إلا من قولهم ولا ضمان عليهم فيما ثبت ضياعه ببينة من غير تضييع ، وتابعه على ذلك جميع أصحابه إلا الإمام مالك فإنه ضمنهم ، وإن قامت بينة بالتلف ولقوله حظ من النظر ، لأنه لما وجب تضمينهم للمصلحة العامة وجب أن لا يسقط عنهم به حسما للذريعة ، لأن ما طريقه المصلحة وسد الذريعة لا يخصص بموضع من قبيل هذا شهادة الابن لأبيه ، ولأن من ضمن بلا بينة ضمن ، وإن قامت البينة . وقول أشهب رضي الله تعالى عنه أصح . الإمام مالك ابن شاس محمد يضمن الصانع ما لا صنعة [ ص: 515 ] له فيه إذا كان مما لا يستغنى عن حضوره عند الصانع كالكتاب المنتسخ منه والمثال الذي يعمل عليه وجفن السيف الذي يصاغ على نصله إذا كان بحيث لو سلم للصانع بغير جفن فسد ، ومثله ظرف القمح والعجين . وقال لا يضمن ذلك كله . سحنون اللخمي قول محمد أحسن . ابن رشد إذا كان الثوب غليظا لا يحتاج إلى وقاية فلا خلاف أن الصانع لا يضمن المنديل الذي يجعل فيه وإلا ففي ضمانه ثلاثة أقوال قول وقول سحنون ابن حبيب وقول ابن المواز مع مذهب . ويضمن الصانع مصنوعه إن عمله بحانوت بأجر ، بل ( وإن ) عمل ( ببيت ) مالك اللخمي سواء كان بسوقها أو داره ( أو ) عمل ( بلا أجر ) فيها ما قبضوه بغير بينة أو عملوه بغير أجر كغيره . ابن رشد سواء على مذهب الإمام رضي الله تعالى عنه يستعمل الصانع بأجر أو بغير أجر ، وشرط ضمان الصانع مصنوعه ( إن نصب ) أي أقام الصانع ( نفسه ) للصنعة لعموم الناس ، فإن كان يصنع لشخص مخصوص فلا يضمن . مالك ابن عرفة اللخمي المنتصب من أقام نفسه لعمل الصنعة التي استعمل فيها كان بسوقها أو داره وغير المنتصب لها من لم يقم نفسه لها ولا منها معاشه .
قلت ظاهره ولو كان انتصابه لجماعة مخصوصة ، ونص عياض على أن الخاص بجماعة دون غيرهم لا ضمان عليه ونحوه في المقدمات ، ثم قال ففي ضمانه بمجرد نصب نفسه أو بقيد عمومه للناس قولان لظاهر سماع عيسى مع بعض شيوخ الصقلي ، وطريق عياض مع ابن رشد هذا في الصانع المشترك الذي نصب نفسه للعمل للناس . أما الصانع الخاص الذي لم ينصب نفسه للعمل للناس ، فلا يضمن فيما استعمل فيه ، سواء أسلم إليه أو عمله بمنزل رب المتاع .
( و ) إن ( غاب ) الصانع ( عليها ) أي الذات المصنوعة ، فإن عملها بحضرة ربها وملازمته فلا يضمن . ابن رشد ، وإن كان صاحبه قاعدا معه إلا فيما فيه تغرير من الأعمال مثل ثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران أو الثوب في قدر [ ص: 516 ] الصباغ وما أشبه ذلك ، فإنه لا ضمان عليهم فيما أتى على أيديهم فيه إلا أن يعلم أنه تعدى فيها أو أخذها على غير وجه مأخذها فيضمن حينئذ ، ومثل ذلك البيطار يطرح الدابة فتموت منه والخاتن يختن الصبي فيموت من ختانه والطبيب يسقي المريض فيموت من سقيه ، أو يكويه فيموت من كيه أو يقطع منه شيئا فيموت من قطعه ، والحجام يقلع ضرسه فيموت من قلعه فلا يضمن واحد من هؤلاء لا في ماله ولا عاقلته في جميع هذا لأن ما فيه التغرير كان صاحبه هو الذي عرضه لما أصابه ، وهذا إذا لم يخطئ في فعله ، فإن أخطأ مثل سقي الطبيب المريض ما لا يوافق مرضه أو تزل يد الخاتن أو القاطع فيتجاوز في القطع ، أو يد الكاوي فيتجاوز في الكي ، أو يد الحجام فيقلع غير الضرس التي أمر بقلعها . يضمن الصناع كل ما أتى على أيديهم من خرق أو كسر أو قطع إذا عمله في حانوته
فإن كان من أهل المعرفة ولم يغر من نفسه فذلك خطأ على العاقلة إلا أن يكون أقل من الثلث ، ففي ماله وإن كان لا يحسن أو غر من نفسه فيعاقب ، وظاهر قول الإمام رضي الله تعالى عنه أن الدية عليه . وقال مالك ابن القاسم على عاقلته وإذا ضمن الصانع ( ف ) يضمن المصنوع ( بقيمته ) معتبرة ( يوم دفعه ) ، أي المصنوع للصانع خاليا عن الصنعة ، وليس لربه أن يقول أنا أدفع الأجرة وآخذ قيمته معمولا لأن القيمة إنما تلزم الصانع يوم الدفع . ابن رشد إذا ، فإنه يضمن قيمته يوم دفعه إليه على ما يعرف من صفته حينئذ إلا أن يقر أن قيمته يوم ضاع كانت أكثر من قيمته يوم دفعه إليه بمدة ، فعليه قيمته يوم ظهر عنده على ما شهد به من قيمته يومئذ ، وإن كانت قيمته يومئذ أقل من قيمته يوم دفعه إليه ، وكذلك الرهن والعارية . ادعى الصانع ضياع المتاع الذي استعمل فيه
( و ) يضمن الصانع مصنوعه بالشروط المتقدمة ( ولو شرط ) الصانع ( نفيه ) أي الضمان عند ابن القاسم . وروى لا يضمن إن شرط نفيه وهما روايتان . أشهب ابن رشد إن اشترط الصانع أن لا ضمان عليه فلا ينفعه شرطه وعليه الضمان ، هذا قول رضي الله تعالى عنه في المدونة ، وينبغي على هذا أن له أجر مثله لأنه إنما رضي بالأجر المسمى لإسقاط الضمان عنه ، ويضمن الصانع إن لم يدع ربه لأخذه . [ ص: 517 ] الإمام مالك
( أو دعا ) الصانع ربه ( لأخذه ) أي المصنوع فلم يأخذه وضاع فيضمنه الصانع في كل حال فيها إذا دعاك الصانع لأخذ الثوب وقد فرغ منه فلم تأخذه فهو ضامن له حتى يصير إلى يدك . ابن عرفة هذا إن لم يقبض الأجرة ( إلا أن تقوم ) أي تشهد ( بينة ) بتلفه بلا تفريطه ولا تعديه ( ف ) لا يضمنه و ( تسقط الأجرة ) التي استؤجر بها عن مستأجره . فيها لابن القاسم لكل صانع أو حمال على ظهر أو سفينة منع ما حمل أو عمل حتى يأخذ أجره ، وإن هلك ذلك بأيديهم في منعهم فالصناع ضامنون ولا أجر لهم إلا أن تقوم بينة على الضياع فلا ضمان عليهم ولا أجر لهم لأنهم لم يسلموا ما عملوا إلى أربابه ، وفيها إن احترق الثوب عند القصار أو أفسده أو ضاع عنده بعد القصارة ضمن قيمته يوم قبضه أبيض ، وليس لربه أن يغرمه قيمته مصنوعا على صفة ويعطيه أجرته .
( وإلا أن يحضره ) أي الصانع المصنوع ( لربه ) مصنوعا ( بشرطه ) أي بالصفة التي شرطها عليه فتركه عنده فادعى ضياعه فلا يضمنه . اللخمي لو فيصدق لأنه خرج عن حكم الاستصناع وصار إلى حكم الإيداع . أحضر الصانع الثوب ورآه صاحبه مصنوعا بصفة ما شارطه عليه وكان قد دفع له الأجرة ثم تركه عنده فادعى ضياعه
( تنبيهات ) : الأول : لا فرق بين تلف المصنوع بالصنعة أو بغيرها . تلف بصنعته أو بغير صنعته في التوضيح كما ادعى أن سارقا سرقه . ابن الحاجب
الثاني : ابن رشد الضمان بسبب الصنعة إنما هو إذا لم يكن فيها تغرير . فإن كان فيها تغرير كثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران والثوب في قدر الصباغ ، فلا يضمن إلا أن يعلم أنه تعدى فيها أو أخذها على غير وجه مأخذها قاله ابن المواز .
الثالث : إذا فهو للصانع ، وكذلك لو ضاع المصنوع وغرم الصانع قيمته ثم يوجد . ادعى سيد عبد على رجل أنه سرق عبده فأنكره فصالحه على شيء ثم وجد العبد ابن رشد هو [ ص: 518 ] للمدعى عليه ولا ينقص الصلح صحيحا كان أو معيبا إلا أن يجده عنده قد أخفاه فهو لربه . وفي التهذيب في المكتري على الدابة فتضل فيغرم قيمتها ثم توجد فهي للمكتري .
( وصدق ) بضم الصاد وكسر الدال مثقلة الراعي ( إن ادعى ) الراعي ( خوف موت ) على بعير أو شاة مثلا ( فنحر ) أو ذبح ما خاف موته وكذبه ربه ، وقال له تعديت لأنه أمين ( أو ) ادعى الراعي ( سرقة منحوره ) أو مذبوحه الذي خاف موته وقال ربه بل بعته مثلا فيصدق الراعي لأنه أمين فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى والراعي مصدق فيما هلك أو سرق ، ولو قال ذبحتها ثم سرقت صدق ولو خاف موت الشاة فأتى بهما مذبوحة أو بثمنها صدق ولا يضمن ، فإن أكلها فلا يصدق قاله أبو عمر ، ونقله أبو الحسن .
( أو ) أدى الحجام ( قلع ضرس ) مأمور بقلعه وقال ربه بل بغيره فيصدق الحجام فلا يضمن ، وله أجر مثله . فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى إذا قلع الحجام ضرس رجل بأجر فقال له لم آمرك إلا بقلع الذي يليه فلا شيء عليه لأنه علم به حين قلعه فتركه وله أجره إلا أن يصدقه الحجام فلا أجر له ، أراد وعليه العقل في الخطأ والقصاص في العمد .
( أو ) ادعى الصباغ صبغ ثوب ب ( صبغ ) بكسر الصاد ، أي مصبوغ به كزعفران أمر به ( فنوزع ) بضم النون وكسر الزاي ، أي نازعه رب الثوب بأن قال له لم آمرك بصبغه بهذا بل بورس فيصدق الصابغ ، وكذا إذا تنازعا في قدر الأجرة أو قدر ما يصبغ به كعشرة دراهم وخمسة من زعفران . فيها إن صبغه أحمر أو أسود وقال بهذا أمرني ربه ، وقال ربه بأخضر صدق الصابغ إلا أن يصبغه صبغا لا يشبه مثله .