الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خرج مسألة صرف الجنس بخلاف جنسه ( بمعيار شرعي ) وهو الكيل والوزن فليس الذرع والعد بربا [ ص: 170 ] مشروط ) ذلك الفضل ( لأحد المتعاقدين ) أي بائع أو مشتر فلو شرط لغيرهما فليس بربا بل بيعا فاسدا ( في المعاوضة ) فليس الفضل في الهبة بربا فلو شرى عشرة دراهم فضة بعشرة دراهم وزاد دانقا إن وهبه منه انعدم الربا ولم يفسد الشراء وهذا إن ضرها الكسر لأنها هبة مشاع لا يقسم كما في المنح عن الذخيرة عن محمد . وفي صرف المجمع أن صحة الزيادة والحط قول الإمام وأن محمدا أجاز الحط وجعله هبة مبتدأة كحط كل الثمن وأبطل الزيادة قال ابن ملك والفرق بينهما خفي عندي [ ص: 171 ] قال وفي الخلاصة لو باع درهما بدرهم وأحدهما أكثر وزنا فحلله زيادته جاز لأنه هبة مشاع لا يقسم ولو باع قطعة لحم بلحم أكثر وزنا فوهبه الفضل لم يجز لأنه هبة مشاع يقسم

قلت : وما قدمنا عن الذخيرة عن محمد صريح في عدم الفرق بينهما وعليه فالكل من الزيادة والحط والعقد صحيح عند محمد وكذا عند الإمام سوى العقد فيفسد لعدم التساوي فليحفظ فإني لم أر من نبه على هذا .

التالي السابق


مطلب في الإبراء عن الربا

وذكر في البحر عن القنية ما حاصله : أن شيخ صاحب القنية أفتى فيمن كان يشتري الدينار الرديء بخمسة دوانق ثم أبرأه غرماؤه عن الزائد بعد الاستهلاك بأنه يبرأ ، ووافقه بعض علماء عصره ، واستدل له بقول البزدوي : إن من جملة صور البيع الفاسد جملة العقود الربوية يملك العوض فيها بالقبض وخالفه بعضهم قائلا إن الإبراء لا يعمل في الربا لأن رده لحق الشرع ، وأيد صاحب القنية الأول بأن الزائد إذا ملكه القابض بالقبض واستهلكه وضمن مثله فلو لم يصح الإبراء ولزمه رد مثل ما استهلكه لا يرتفع العقد السابق بل يتقرر مفيدا للملك في الزائد ، فلم يكن في رده فائدة نقض عقد الربا ليجب حقا للشرع ، لأن الواجب حقا للشرع رد عين الربا لو قائما لا رد ضمانه ا هـ واستحسنه في النهر .

قلت : وحاصله أن فيه حقين حق العبد وهو رد عينه لو قائما ومثله لو هالكا وحق الشرع وهو رد عينه لنقض العقد المنهي شرعا وبعد الاستهلاك لا يتأنى رد عينه فتعين رد المثل وهو محض حق العبد ويصح إبراء العبد عن حقه فقول ذلك البعض إن الإبراء لا يعمل في الربا لأن رده لحق الشرع إنما يصح قبل الاستهلاك والكلام فيما بعده .

ثم اعلم أن وجوب رد عينه لو قائما فيما لو وقع العقد على الزائد أما لو باع عشرة دراهم بعشرة دراهم وزاده دانقا وهبه منه فإنه لا يفسد العقد كما يأتي بيانه قريبا ( قوله خرج مسألة صرف الجنس بخلاف جنسه ) كبيع كر بر وكر شعير بكري بر وكري شعير ، فإن للثاني فضلا على الأول لكنه غير خال عن العوض لصرف الجنس لخلاف جنسه والممنوع فضل المتجانسين ( قوله بمعيار شرعي ) متعلق بمحذوف صفة لفضل أو خال منه ولو أسقط هذا القيد لشمل التعريف ربا النساء ، ويمكنه الاحتراز عن الذرع والعد بالتصريح بنفيه ( قوله فليس الذرع والعد بربا ) أي بذي ربا أو بمعيار ربا فهو على حذف مضاف أو الذرع والعد بمعنى المذروع والمعدود : أي لا يتحقق فيهما ربا [ ص: 170 ] والمراد ربا الفضل لتحقق ربا النسيئة ، فلو باع خمسة أذرع من الهروي بستة أذرع منه أو بيضة ببيضتين جاز لو يدا بيد لا لو نسيئة لأن وجود الجنس فقط يحرم النساء لا الفضل كوجود القدر فقط كما يأتي .

( قوله مشروط ) تركه أولى فإنه مشعر بأن تحقق الربا يتوقف عليه وليس كذلك والحد لا يتم بالعناية قهستاني فإن الزيادة بلا شرط ربا أيضا لا أن يهبها على ما سيأتي ( قوله أي بائع أو مشتر ) أي مثلا فمثلهما المقرضان والراهنان قهستاني قال : ويدخل فيه ما إذا شرط الانتفاع بالرهن كالاستخدام والركوب والزراعة واللبس وشرب اللبن وأكل الثمر فإن الكل ربا حرام كما في الجواهر والنتف ا هـ ط ( قوله فلو شرط لغيرهما فليس بربا ) عزاه في البحر إلى شرح الوقاية وهذا مبني على ما حققناه من أن البيوع الفاسدة ليست كلها من الربا بل ما فيه شرط فاسد فيه نفع لأحد المتعاقدين فافهم .

( قوله بل بيعا فاسدا ) عطف على محل خبر ليس ط ، وهذا مبني على ما قدمه في باب البيع الفاسد من أن الأظهر الفساد بشرط النفع للأجنبي ، وبه اندفع ما في حواشي مسكين ( قوله فليس الفضل في الهبة بربا ) أي وإن كان مشروطا ط عن الدر المنتقى أي كما لو قال وهبتك كذا بشرط أن تخدمني شهرا فإن هذا شرط فاسد لا تبطل الهبة به كما سيأتي قبيل الصرف ، وظاهر ما هنا أنه لو خدمه لم يكن فيه بأس ( قوله فلو شرى إلخ ) تفريع على مفهوم قوله مشروط ( قوله وزاده دانقا ) أي ولو لم يكن مشروطا في الشراء كما هو في عبارة الذخيرة المنقول عنها ، فلو مشروطا وجب رده لو قائما كما مر عن القنية .

ثم إن قوله وزاده بضمير المذكور يفيد أن الزيادة مقصودة وذكر ح أن الذي في المنح زادت بالتاء أي زادت الدراهم ومفاده أن الزيادة غير مقصودة لكن الذي رأيته في المنح عن الذخيرة بدون تاء وكذا في البحر عنها وكذا رأيته في الذخيرة أيضا فافهم ( قوله وهذا ) أي انعدام الربا بسبب الهبة إن ضرها أي الدراهم الكسر فلو لم يضرها الكسر لم تصح الهبة إلا بقسمة الدانق وتسليمه لإمكان القسمة ( قوله وفي صرف المجمع إلخ ) قال في الذخيرة من الفصل الرابع في الحط عن بدل الصرف والزيادة فيه سوى أبو حنيفة بين الحط والزيادة فحكم بصحتها والتحاقهما بأصل العقد وبفساد العقد بتسميتها ، وكذا أبو يوسف سوى بينهما أي فأبطلهما ولم يجعل شيئا منهما هبة مبتدأة ، ومحمد فرق بينهما فصحح الحط هبة مبتدأة دون الزيادة . والفرق أن في الحط معنى الهبة لأن المحطوط يصير ملكا للمحطوط عنه بلا عوض ، بخلاف الزيادة إذ لو صحت تلتحق بأصل العقد ، وبأخذ حصة من البيع والهبة تمليك بلا عوض ، والتمليك بلا عوض لا يصح كناية عن التمليك بعوض فلذا افترقا ا هـ .

قلت : وتوضيحه أن الحط إسقاط بلا عوض فيجعل كناية عن الهبة لأنها تمليك بلا عوض أيضا ، بخلاف الزيادة فإنها تكون مع باقي الثمن عوضا عن المبيع ، فكانت تمليكا بعوض فلا يصح جعلها كناية عن الهبة فلذا أبطلها ( قوله كحط كل الثمن ) وجه الشبه أن حط كل الثمن لو لم يجعل هبة مبتدأة التحق بأصل العقد فأفسده لبقائه بلا ثمن وكذا الحط هنا فإنه لو التحق يفوت التماثل ويفسد العقد فلذا جعل هبة مبتدأ ( قوله والفرق بينهما خفي عندي ) قد أسمعناك الفرق وقال ح : قال الشيخ قاسم : ولكنه ظاهر عندي ، لأن من الحط ما يمكن أن لا يلحق بأصل العقد

[ ص: 171 ] ويجعل هبة مبتدأة بالاتفاق وهو حط جميع الثمن فكان البعض كالكل بخلاف الزيادة فإنها لا تكون إلا ملحقة بالعقد وبذلك يفوت التساوي ا هـ ( قوله قال وفي الخلاصة إلخ ) أي قال ابن مالك ناقلا عن الخلاصة ما يفيد عدم الفرق بين الحط والزيادة فإن قول الخلاصة فحلله أي وهبه زيادته جاز يفيد ذلك ( قوله قلت إلخ ) استدراك على المجمع وتأييد لكلام شارحه ابن مالك ( قوله صريح في عدم الفرق بينهما ) أي بين الزيادة والحط فإن ما قدمه من قوله إن وهبه منه انعدم الربا صريح في أن زيادة الدانق صحيحة عند محمد فينافي قول المجمع إنه أجاز الحط وأبطل الزيادة .

أقول : والذي يظهر لي أن ما قدمه الشارح عن الذخيرة عن محمد صريح في الفرق بينهما لا في عدمه ، لأن قوله إن وهبه منه انعدم الربا صريح في أن الزيادة بدون الهبة باطلة لأن الحط والزيادة في الثمن أو في المبيع غير الهبة ولذا يلتحقان بالعقد كما تقدم قبل فصل القرض ، فإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم ودفع خمسة عشر ، فإن جعل الخمسة زيادة في الثمن وقبل البائع ذلك في المجلس صح والتحقت بأصل العقد إن كان المبيع قائما ، وإن جعل الخمسة هبة لم تصر زيادة في الثمن . بل تكون هبة مبتدأة فيراعى لها شروط الهبة . من الإفراز والتسليم سواء كان المبيع قائما أو لا إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما قدمه عن الذخيرة ليس من باب الزيادة في الثمن أو في المبيع لأنه جعله هبة مبتدأة حتى اشترط لها شرط الهبة وهو قوله وهذا إن ضرها الكسر إلخ ومثله ما نقله ابن مالك عن الخلاصة ، فهذا صريح في أنه لا يصح زيادة ، وإنما يصح هبة بشروطها ولا مخالفة فيه لقول المجمع إن محمدا أبطل الزيادة .

والحاصل : أن محمدا أجاز هنا الحط دون الزيادة لكنه يجعل الحط هبة مبتدأة لا حطا حقيقة لئلا يفسد العقد كما مر ، وأما الزيادة فقد أبطلها لأنها لو التحقت بالعقد أفسدته ، ولا يصح جعلها كناية عن الهبة لما مر فلذا بطلت إلا إذا وهبه الزيادة صريحا ، ولذا قال في الذخيرة ، وإنما جاز هذا الصرف ، لأنه لو لم يجز إنما لم يجز لمكان الربا فإذا وهب الدانق منه فقد انعدم الربا ا هـ هكذا يجب أن يفهم هذا المحل فافهم ، ثم لا يخفى أن هذا كله إذا لم تكن الزيادة مشروطة كما قدمناه عن الذخيرة ، فلو مشروطة ووقع العقد على الكل وجب نقض العقد لحق الشرع ولا تؤثر الهبة والإبراء إلا بعد الاستهلاك كما مر تحريره عن القنية ( قوله وعليه ) أي على ما فهمه من التنافي بين العبارات المذكورة ، وعلمت عدمه وأن الزيادة إنما تصح إذا صرح بكونها هبة فتكون هبة بشروطها ومع عدم التصريح فهي باطلة وهو الذي في المجمع ( قوله فيفسد ) لأن الزيادة والحط يصحان عنده على حقيقتهما لا بمعنى الهبة وإذا صحا التحقا بأصل العقد فيفسد لعدم التساوي .




الخدمات العلمية