الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4918 4919 ص: وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- أيضا -في التوقيف على حد الخمر أنه ثمانون- حديث إن كان ثابتا، وهو ما حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال: ثنا هشام بن يوسف ، عن عبد الرحمن بن صخر الإفريقي ، عن جميل بن كريب ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي -عليه السلام- قال: " من شرب بسقة خمر فاجلدوه ثمانين". .

                                                فهذا الذي وجدنا فيه التوقيف من رسول الله -عليه السلام- في حد الخمر هو ثمانون، فإن كان ذلك ثابتا فقد ثبتت به الثمانون، وإن لم يكن ثابتا فقد ثبت عن أصحاب رسول الله -عليه السلام- ما قد تقدم ذكرنا له في هذا الباب من إجماعهم على الثمانين ومن استنباطهم إياها من أخف الحدود، فذلك من إجماعهم بعد ما كان خلافه، كإجماعهم على المنع من بيع أمهات الأولاد، وتكبيرات الجنائز، وقد كان خلافه، فكما لا ينبغي خلافهم في ترك بيع أمهات الأولاد، فكذلك لا ينبغي خلافهم في توقيفهم الثمانين في حد الخمر.

                                                فهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: قوله: "حديث" مرفوع بقوله: "روي" وإنما قال: "إن كان ثابتا" لأنه حديث منكر، وما ثبت في الصحاح خلافه.

                                                [ ص: 548 ] وأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن إسحاق بن أبي إسرائيل واسم أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجرا المروزي وهو شيخ أبي يعلى الموصلي والبخاري في غير "الصحيح" وأبي داود، وثقه يحيى بن معين .

                                                يروي عن هشام بن يوسف الصنعاني قاضي صنعاء، قال أبو حاتم: ثقة متقن.

                                                عن عبد الرحمن بن صخر الإفريقي لم أقف على من تعرض إليه بشيء عن جميل بن كريب المعافري من أهل أفريقية قال ابن يونس: كان من أهل الدين والفضل.

                                                عن عبد الله بن يزيد المعافري أبي عبد الرحمن الحبلي المصري روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح" عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.

                                                وأخرجه ابن يونس في "تاريخه" في ترجمة جميل بن كريب: ثنا أسامة بن علي الرازي، ثنا أحمد بن خالد بن زيد بن خالويه، ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، ثنا هشام بن يوسف، ثنا عبد الرحمن بن صخر الإفريقي ، عن جميل بن كريب ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "من شرب بزقة من خمر فاجلدوه ثمانين".

                                                قوله: "بزقة" أي بصقة، وفي رواية الطحاوي: بسقة بالسين، والكل بمعنى واحد، والزاي بدلا من السين والسين من الصاد.

                                                [ ص: 549 ] ويستفاد من هذا: وجوب الحد في مطلق الشرب من الخمر، سواء كان قليلا أو كثيرا.

                                                وروى البيهقي: من حديث الوليد بن مسلم ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله -عليه السلام- قال: "اجلدوا في قليل الخمر وكثيره، فإن أولها وآخرها حرام".

                                                قوله: "كإجماعهم" أي كإجماع الصحابة على المنع من بيع أمهات الأولاد، فإنها كانت تباع في زمن النبي -عليه السلام-.

                                                قيل: فيه نظر; لأن المنقول عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - جواز بيع أمهات الأولاد.

                                                قلت: يجوز أن يكون ذلك في أول خلافة أبي بكر، وفي خلافة أبي بكر إلى صدر خلافة عمر - رضي الله عنه -.

                                                والدليل على ذلك ما رواه أبو داود عن جابر قال: "بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله -عليه السلام- وأبي بكر، فلما كان عمر - رضي الله عنه - نهانا، فانتهينا".

                                                وقال البيهقي: يشبه أن يكون عمر - رضي الله عنه - بلغه عن النبي -عليه السلام- أنه حكم بعتقهن نصا، فاجتمع هو وغيره على عتقهن، فالأولى بنا متابعتهم مع الاستدلال بالسنة.

                                                قوله: "وتكبيرات الجنائز" أي وكإجماعهم على تكبيرات الجنائز أنها أربع بعد أن كانت سبعا وخمسا وأربعا وثلاثا، ومنع ابن حزم القول بالإجماع على ذلك فقال: كيف يكون إجماعا على الأربع وقد كبر علي - رضي الله عنه – خمسا؟!

                                                روى عبد الرزاق: عن معمر ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم النخعي: "أن عليا - رضي الله عنه - كبر على جنازة خمسا".

                                                [ ص: 550 ] وكذلك: "كبر عبد الله بن عباس على الجنازة ثلاثا، وكذلك أنس بن مالك كبر ثلاثا".

                                                روى حماد بن [سلمة] عن شيبة بن أيمن: "أن أنس بن مالك صلى على جنازة فكبر ثلاثا".

                                                وكذلك: "عبد الله بن مسعود صلى على جنازة وكبر خمسا".

                                                وأخرج ابن حزم ذلك من حديث زر بن حبيش قال: "رأيت ابن مسعود صلى على جنازة من بلعدان فخذ من بني أسد، فكبر عليه خمسا". ثم قال ابن حزم: أف لكل إجماع يخرج عنه علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم -.

                                                قلت: روى عبد الرزاق: عن سفيان الثوري ، عن عامر بن شقيق ، عن أبي وائل قال: "جمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة، فقالوا: كبر النبي -عليه السلام- سبعا وخمسا وأربعا، فجمعهم عمر - رضي الله عنه - على أربع تكبيرات كأطول الصلاة".

                                                فهذا إجماع فلا يجوز خلافه. والله تعالى أعلم بالصواب.




                                                الخدمات العلمية