الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 2336 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني عبد الرحمن بن الحسن القاضي بهمدان ، حدثنا عمير بن مرداس ، حدثنا عبد الله بن نافع الصائغ ، حدثنا يحيى بن عمير ، عن أبيه عمير مولى نوفل بن عدي ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يأمن أحدكم حتى يقرأ ثلث القرآن " قالوا : يا رسول الله وكيف يستطيع أحد منا أن يقرأ ثلث القرآن ؟ قال : " لا يستطيع أن يقرأ ب ( قل هو الله أحد ، ) و ( قل أعوذ برب الفلق ، ) و ( قل أعوذ برب الناس ) "

وروينا في كتاب الدعوات عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اقرأ ( قل هو الله أحد ) والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك كل شيء " يعني قراءتهم " .

[ ص: 165 ] وقد ذكرنا أخبارا تدل على جواز المفاضلة بين السور والآيات قال الله عز وجل : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) .

قال الحليمي رضي الله عنه : " ومعنى ذلك يرجع إلى أشياء [ ص: 166 ] أحدها : أن تكون آيتا عمل ثابتتان في التلاوة إلا أن أحدهما منسوخة ، والأخرى ناسخة ، فنقول إن الناسخة خير أي إن العمل بها أولى بالناس وأعود عليهم . وعلى هذا يقال : آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص ؛ لأن القصص إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير ولا غنى بالناس عن هذه الأمور ، وقد يستغنون عن القصص ، فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصول خيرا مما يجعل تبعا لما لا بد منه .

والآخر : أن يقال إن الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى جل ثناؤه ، وبيان صفاته ، والدلالة على عظمته وقدسه أفضل وخير بمعنى أن مخبرا بها أسنى وأجل قدرا .

والثالث : أن يقال سورة خير من سورة ، أو آية خير من آية بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل ويتأدى منه بتلاوتها عبادة كقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين ، فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى ، والاعتصام بالله جل ثناؤه ، ويتأدى بتلاوتها منه لله تعالى عبادة لما فيها من ذكر الله - تعالى جده - بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد لها ، وسكون النفس إلى فضل ذلك الذكر ويمنه وبركته . فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة الحكم ، وإنما يقع بها علم وأذكار فقط ، فكان ما قدمناه قبلها أحق باسم الخير والأفضل والله أعلم .

ثم لو قيل : في الجملة إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها . والثواب يجب بقراءته لا بقراءتها ، وأنه من حيث الإعجاز حجة النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث به ، وتلك الكتب لم تكن معجزة ولا كانت حجج أولئك الأنبياء ، بل كانت دعوتهم والحجج غيرها ، لكان ذلك أيضا نظير ما مضى ذكره والله أعلم .

وقد يقال : إن سورة أفضل من سورة لأن الله تعالى اعتد قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها وأوجب لها من الثواب ما لم يوجب لغيرها وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا ، كما يقال : إن يوما أفضل من يوم ، وشهرا أفضل من شهر [ ص: 167 ] بمعنى أن العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره ، والذنب فيه يكون أعظم منه في غيره ، وكما يقال : إن الحرم أفضل من الحل لأنه يتأدى فيه من المناسك ما لا يتأدى في غيره والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية