الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل

                                                                                                          قد سبق أنه لا يجوز خروج المعتكف إلا لما لا بد منه ، فلا يخرج لكل قربة لا تتعين كعيادة مريض وزيارة وشهود جنازة وتحمل شهادة وأدائها وتغسيل ميت وغيره ، نص عليه ، واختاره الأصحاب ( و ) لما سبق أول الباب ، ولأن منه بدا كغيره ، ولأنه لا يجوز ترك فريضة وهو النذر لفضيلة ، وعنه : له ذلك ، روى أحمد عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة ويشهد الجمعة . إسناد صحيح ، قال أحمد : عاصم حجة

                                                                                                          وعن أنس مرفوعا { المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض } ، رواه ابن ماجه من حديث عنبسة بن عبد الرحمن وهو متروك .

                                                                                                          وروى سعيد : حدثنا هشيم حدثنا مغيرة عن إبراهيم قال : كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال ، وهي له إن لم يشترط عيادة المريض . ولا يدخل سقفا ويأتي الجمعة ويشهد الجنازة ويخرج في الحاجة وقاس الشيخ على المشي في حاجة أخيه ليقضيها ، كذا قال ، فعلى الأول إن كان الاعتكاف تطوعا فله أن يخرج منه لذلك ، لأنه لا يلزم بالشروع ، ومقامه على اعتكافه أفضل ، لأنه عليه السلام { كان لا يخرج إلا لحاجة الإنسان } ، { ولقول عائشة إنه عليه السلام [ ص: 185 ] كان لا يعرج يسأل عن المريض } ، رواه أبو داود .

                                                                                                          وقال الشافعية : خروجه لجنازة أفضل ، لأنها فرض كفاية .

                                                                                                          وإن تعينت صلاة جنازة خارج المسجد أو دفن ميت وتغسيله فكشهادة متعينة ، على ما سبق .

                                                                                                          وإن شرط ذلك فله فعله ، نص عليه ، ذكره الترمذي وغيره عن بعض الصحابة ، والثوري وابن المبارك وإسحاق ، ورواه عبد الرزاق عن عطاء والنخعي وقتادة ، وذكره البغوي عن الشافعي ، جمعا بين ما سبق ، ولأن في رواية الأثرم من قول علي : وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم .

                                                                                                          وذكر الترمذي وابن المنذر عن أحمد المنع ( و ) لما سبق .

                                                                                                          فعلى الأول لا يقضي زمن الخروج إذا نذر شهرا مطلقا ، في ظاهر كلام أصحابنا ، كما لو عين الشهر ، قال صاحب المحرر : لو قضاها صار الخروج المستثنى والمشروط في غير الشهر .

                                                                                                          وعند بعض الشافعية : يقضي ، لإمكان حمل شرطه على نفي انقطاع التتابع فقط ، فنزل على الأقل .

                                                                                                          فأما إن شرط ما له منه بد وليس بقربة ويحتاجه كالعشاء في منزله والمبيت [ فيه ] فعنه : يجوز ، جزم به الشيخ وغيره ، لأنه يجب بعقده ، كالوقف ، لأنه يصير كأنه نذر ما أقامه ، ولتأكد الحاجة إليها وامتناع النيابة فيها ذكره صاحب المحرر وأطلق غيره .

                                                                                                          وعنه : المنع ، وجزم به [ ص: 186 ] القاضي وابن عقيل [ وغيرهما ] واختاره صاحب المحرر وغيره ( م 9 ) لمنافاته الاعتكاف صورة ومعنى ، كشرط ترك الإقامة في المسجد والنزهة والفرجة ، لأنه زمن الخروج في حكم المعتكف ، لأنه لا يجوز أن يفعل فيه غير المشروط .

                                                                                                          وشرطه ما فيه قربة يلائم الاعتكاف بخلاف هذا ، والوقف لا يصح فيه شرط ما ينافيه ، فكذا الاعتكاف .

                                                                                                          [ ص: 186 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 186 ] ( مسألة 9 ) قوله : فأما إن شرط ماله منه بد وليس بقربة ويحتاجه كالعشاء في منزله والمبيت ، فعنه : يجوز ، جزم به الشيخ وغيره ، وعنه : المنع ، وجزم به القاضي وابن عقيل وغيرهما ، واختاره صاحب المحرر وغيره ، انتهى ، إحداهما الجواز ، وهو الصحيح ، جزم به الشيخ الموفق والشارح وصاحب الرعايتين والحاويين وغيرهم ، وهو الصواب ، والرواية الثانية لا يجوز ، اختاره من ذكره المصنف .




                                                                                                          الخدمات العلمية