الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2305 ص: وقالوا: ليس في هذه الآثار ما يدل على خلاف ما قلنا ; وذلك أنكم رويتم أن النبي - عليه السلام - أمر الذي صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة، فقد يجوز أن يكون أمره بذلك لأنه صلى خلف الصف، ويجوز أن يكون أمره بذلك لمعنى آخر كما أمر النبي - عليه السلام - الذي دخل المسجد فصلى أن يعيد الصلاة، ثم أمره أن يعيدها حتى فعل مرارا في حديث رفاعة وأبي هريرة - رضي الله عنهما -، فلم يكن ذلك لأنه دخل المسجد فصلى ولكنه لمعنى غير ذلك وهو تركه إصابة فرائض الصلاة فيحتمل أيضا ما رويتم من أمر النبي - عليه السلام - الرجل الذي صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة لا لأنه صلى خلف الصف ولكن لمعنى آخر كان منه في الصلاة، وفي حديث علي بن شيبان معنى زيادة على المعنى الذي في حديث وابصة، وذلك أنه قال: "صلينا خلف رسول الله - عليه السلام -، فقضى صلاته ورجل فرد يصلي خلف الصف، فقام عليه نبي الله - عليه السلام - حتى قضى صلاته، ثم قال: استقبل فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف".

                                                ففي هذا الحديث أنه أمره أن يعيد وقال: "لا صلاة لفرد خلف الصف" فيحتمل أن يكون أمره إياه بإعادة الصلاة كان للمعنى الذي وصفنا في حديث وابصة.

                                                [ ص: 194 ] وأما قوله: "لا صلاة لفرد خلف الصف" فيحتمل أن يكون ذلك كقوله: "لا وضوء لمن لم يسم الله"، وكالحديث الآخر: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وليس ذلك على أنه إذا صلى كذلك كان في حكم من لم يصل، ولكنه قد صلى صلاة مجزئة، ولكنها ليست متكاملة الأسباب في الفرائض والسنن ; لأن من سنة الصلاة مع الإمام اتصال الصفوف وسد الفرج هكذا ينبغي للمصلي خلف الإمام أن يفعل، فإن قصر عن ذلك فقد أساء وصلاته مجزئة ولكنها ليست بالصلاة المتكاملة في فرائضها وسننها، فقيل لذلك: لا صلاة له. أي: لا صلاة له متكاملة كما قال - عليه السلام -: "ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يعرف فيتصدق عليه ولا يسأل الناس". فكان معنى قوله: "ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان" إنما معناه: ليس هو بالمسكين المتكامل في المسكنة ; إذ هو يسأل فيعطى ما يقوته ويواري عورته، ولكن المسكين: الذي لا يسأل الناس ولا يعرفونه فيتصدقون عليه، فنفى في هذا الحديث من كان مسكينا غير متكامل أسباب المسكنة أن يكون مسكينا، فيحتمل أن يكون أيضا إنما نفى بقوله: "لا صلاة لمن صلى خلف الصف وحده" أن يكون مصليا ; لأنه غير متكامل أسباب الصلاة وهو مصل صلاة تجزئه.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقال الآخرون في جواب احتجاج أهل المقالة الأولى بالأحاديث المذكورة: ليس في هذه الآثار أي أحاديث وابصة وعلي بن شيبان ما يدل على خلاف ما قلنا من جواز صلاة المنفرد خلف الصف. وأراد أن الأحاديث المذكورة ليست بحجة علينا ; لأنها تحتمل معنى آخر غير المعنى الذي تعلق به هؤلاء.

                                                أما حديث وابصة فإنه يحتمل أن يكون معناه كمعنى حديث رفاعة بن رافع الذي أخرجه الأربعة حيث قال - عليه السلام – لذلك الرجل الذي كالبدوي صلى [ ص: 195 ] فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي - عليه السلام - فقال - عليه السلام -: "وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل"، وحديث أبي هريرة الذي أخرجه الجماعة حيث قال - عليه السلام - لذلك الرجل الذي دخل المسجد ثم جاء فسلم على رسول الله - عليه السلام - فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فإن أمره - عليه السلام - لم يكن لكونه دخل المسجد فصلى وحده وإنما كان لتركه إصابة فرض من فرائض الصلاة.

                                                وأما حديث علي بن شيبان فإنه أيضا يحتمل أن معناه كالذي ذكرناه في حديث وابصة ويكون معنى قوله: "لا صلاة لفرد خلف الصف" معنى قوله - عليه السلام -: "لا وضوء لمن لم يسم الله" و "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، وهو أن يكون محمولا على نفي الفضيلة والكمال، فيكون معناه: لا صلاة كاملة لفرد خلف الصف ومثل هذا شائع سائغ في الكلام.

                                                فإن قيل: ما الدليل على صحة هذا الحمل؟

                                                قلت: هو أنه قد أتى بأركان الصلاة التي يتعلق بها الجواز، فدل أن صلاته جائزة وإنما دخلها النقص بارتكابه المنهي، فتكون صلاته صلاة غير كاملة، ولهذا قلنا: يستحب إعادته، وقد حقق هذا الكلام مرة في باب: "التسمية على الوضوء".

                                                وقال بعضهم: إن أمره - عليه السلام - إياه بالإعادة للاستحباب لا للإيجاب، والدليل عليه: حديث المرأة المصلية خلفه في حديث أنس منفردة، وحكم الرجل والمرأة في هذا واحد.

                                                وروى الطبراني في الأوسط من حديث يونس بن عبيد ، عن ثابت ، عن [ ص: 196 ] أنس: "أنه صلى خلف النبي - عليه السلام - وحده ووراءه امرأة حتى جاء الناس" وقال: تفرد به إسماعيل .




                                                الخدمات العلمية