الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            المبحث الثاني: تحقيق الحق من علم أصول الفقه

            المطلب الأول: مبررات تجديد علم الأصول عند الشوكاني

            لقد كان الأساس الثاني الذي أقام عليه الشوكاني تجديد المنهج الفقهي هـو تجديد علم أصول الفقه؛ بتحقيق الحق منه. وتمثلت مبررات هـذا العمل المنهجي في أمرين:

            الأول: إن أصول الفقه هـو منهج استنباط الأحكام الفقهية، وأي تجديد في الفقه يقتضي تجديدا في أصوله.

            الثاني: إن التراث الأصولي صار يؤخذ مسلمات لا مجال لنقاشها، وبالتحقيق والتمحيص يتبين أن منه ما لا مستند له من الشرع، وقد عبر عن ذلك بقوله: «علم أصول الفقه لما كان هـو العلم الذي يأوي إليه الأعلام، والملجأ الذي يلجأ إليه عند تحرير المسائل وتقرير الدلائل في غالب الأحكام، وكانت مسائله المقررة وقواعده المحررة تؤخذ مسلمة عند كثير من الناظرين، كما تراه في مباحث الباحثين وتصانيف المصنفين، فإن أحدهم إذا استشهد لما قاله بكلمة من كلام أهل الأصول أذعن له المنازعون وإن كانوا من الفحول؛ لاعتقادهم أن مسائل هـذا الفن قواعد مؤسسة على الحق الحقيق بالقبول، مربوطة بأدلة علمية من المعقول والمنقول، تقصر عن القدح في شيء منه أيدي الفحول وإن تبالغت في الطول» [1] . [ ص: 140 ]

            وقد نتج عن هـذا التصور الذي استقر في العقل الفقهي والأصولي عن علم أصول الفقه تكريس التقليد، وهو ما جعل الرأي البحت في نظر الشوكاني يحل محل الدليل في التفكير الأصولي والفقهي، حيث قال: «...هذا الفن الذي رجع كثير من المجتهدين بالرجـوع إليه إلى التقليد من حيث لا يشعرون، ووقع غالب المتمسكيـن بالأدلة بسببه في الرأي البحت وهم لا يعلمون»[2] .

            فهذه المبررات حملت الشوكاني على تصنيف كتابه: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، والذي التزم فيه منهجا خاصا قوامه عدم ذكر «المبادئ التي يذكرها المصنفون فـي هـذا الفن، إلا ما كان لذكره مزيد فائدة يتعلق بها تعلقا تاما وينتفع بها فيه انتفاعا زائدا» [3] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية