الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            المطلب الثالث: ربط الفروع الفقهية بالقواعد الأصولية

            من الخصائص الواضحة في فقه الشوكاني التلازم بين الفقه وأصول الفقه، ولا أدل على ذلك من كتابيه: نيل الأوطار، و: السيل الجرار، اللذين أقام فيهما جسورا قوية ومتماسكة بين العلمين، فنجده فيهما يذكر الأدلة من الكتاب والسنة، ثم يحللها تحليلا يكشف عن حقيقة معناها، ثم يستعين أخيرا في استنباط الحكم الشرعي بالقواعد الأصولية المناسبة. وهو ما جعل مؤلفاته الفقهية نشرا مرتبا للأدلة الشرعية، يجمع أمرها عقد منتظم من القواعد الأصولية. ومن ميزات هـذا المنهج في الدراسات الفقهية أنه يكسب الحكم المستنبط قوة، كما يبين للقارئ الطريقة التي سلكها الإمام في استنباط الأحكام، الأمر الذي ينمي لديه ملكة التحليل والاستدلال. [ ص: 184 ]

            ومن أمثلة ذلك دراسة الشوكاني لمسألة: الوضوء من لحوم الإبل، حيث تطرق إلى اختلاف العلماء في لحوم الإبل: هـل هـي من نواقض الوضوء، أم لا؟ فذهب الأكثرون إلى أنها غير ناقضة؛ ( لحديث جـابر رضي الله عنه : أنه كان آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار. ) [1] . وذهب آخرون إلى انتقاض الوضوء بلحوم الإبل محتجين بأحاديث منها: ( حديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، توضأ من لحوم الإبل. ) [2] .

            وفي أثناء المناقشة، وافق الشوكاني النووي على أن حديث جابر عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام . ثم ناقش الشوكاني مذهب المعتبرين أن العام المتأخر؛ وهو حديث ترك الوضوء مما مست النار، ناسخ لأحاديث الوضوء من لحوم الإبل، وأوضح أن أحاديث الأمر بالوضوء من لحوم الإبل لم تشمل ولم تخص النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه فلا يعتبر تركه للوضوء مما مست النار ناسخا؛ لأنه كما تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا ولا ينسخه.

            ثم نبه الشوكاني في الأخير إلى أهمية هـذه القضية الأصولية في الدراسات الترجيحية، فقال: «وهذه مسألة مدونة في الأصول مشهورة، [ ص: 185 ] وقل من يتنبه لها من المصنفين فـي مواطـن الترجـيح، أو اعتبارها أمرا لا بد منه، وبه يزول الإشكال في كثير من الأحكام التي تعد من المضايق» [3] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية