الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            المطلب الرابع: ربط البحث الفقهي بالحديث وعلومه

            كان من نقائص البحث الفقهي في عصور التقليد ضعف الصلة بين الفقه والحديث، فأهل الفقه -كما يذكر الشوكاني- بضاعتهم في الحديث مزجاة، لا يميزون صحيحه من سقيمه، بل يذكرون في مؤلفاتهم الموضوعات ويفرعون عليها مسائل ليست من الشريعة، فيأتون من الأقوال والترجيحات بما هـو في أبعد درجات الإتقان [1] ، وكان هـذا الوضع «هو السبب الأعظم في اختلاط المعروف بالمنكر في كتب الفقه» [2] .

            من هـنا رأى الإمام الشوكاني أن من متطلبات تجديد الفقه الإسلامي ربط البحث الفقهي بالحديث و علومه؛ لأن السنة النبوية مصدر رئيس في استنباط الأحكام، والاستدلال عليها، وهي مراتب وأقسام. فمعرفة درجة الحديث من حيث الصحة وحكم الأئمة المختصين فيه هـو أساس الاستنباط الصحيح للأحكام الشرعية، والتقييم العلمي لاستدلالات [ ص: 186 ] الفقهاء وآرائهم. وقد صرح الإمام الشوكاني بذلك في قوله:

            «فإن المتصدر للتصنيف فـي كتب الفقه، وإن بلغ في إتقانه وإتقان علم الأصول وسـائر الفنون الآلية إلى حد يتقاصر عنه الوصـف، إذا لـم يتقن علم السنة، ويعرف صحيحه من سقيمه، ويعول على أهله في إصداره وإيراده كانت مصنفاته مبنية على غير أساس؛ لأن علم الفقه هـو مأخوذ من علم السنة، إلا القليل منه، وهو ما قد صرح بحكمه القرآن الكريم» [3] .

            وقد جسد الإمام الشوكاني هـذه القناعة فعليا في كتبه، ففي باب: صفة التيمم، في: نيل الأوطار، أورد حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه الذي يدل على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو قول جمـهور العلماء، وعامة أهل الحديث، لكنه ذكر أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن الواجب ضربتان: ضربة للوجه وأخرى لليدين، كما ذهب ابن المسيب وابن سيرين إلى أن الواجب ثلاث ضربات؛ ضربة للوجه، وضربة للكفين، وضربة للذراع [4] .

            وقد نبه الشوكاني إلى أن أصح الآثار المرفوعة عن عمار هـي ضربة واحدة، وما روي عن ضربتين فكلها طرق مضطربة، كما ذكر ما عل به [ ص: 187 ] العلماء كل طريق، ورجح بعد هـذا رواية ضربة واحدة؛ لعدم صحة الزيادة الواردة في الطرق الأخرى للحديث، فقال: «وبهذا يتبين لك أن أحاديث الضربتين لا تخلو جميع طرقها من مقال، ولو صحت لكان الأخذ بها متعينا لما فيها من الزيادة، فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار من الاقتصار على ضربة واحدة حتى تصح الزيادة على ذلك المقدار» [5] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية