الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            المطلب الثاني: توليه القضاء

            لقد اختار الخليفة المنصور علي الإمام الشوكاني لمنصب القضاء العام سنة 1209هـ، وهو في سن السادسة والثلاثين من عمره، وذلك بعد وفاة قاضي صنعاء يحيى بن صـالح الشـجري السحولي (1134هـ- [ ص: 97 ] 1209هـ) [1] . وكان الشوكاني قد بلغ درجة الاجتهاد المطلق قبل الثلاثيـن، ولم تكن له رغـبة فـي العمل الوظيـفي، بل انحصرت رغبته في العلم؛ درسا وتدريسا وإفتاء وتصنيفا، معرضا عـن المناصب، غير محتك بأصحابها، حتى جـاءه أمر الخليفة [2] .

            ولقد اعتذر الشوكاني للخليفة في بادئ الأمر عن إمكانية توليه لمنصب القضاء العام، ولكن الخليفة أصر على طلبه، كما أجمـع علماء صنعاء على وجوب الإجابة والامتثال، فحصل منه ذلك بعد الاستخارة والاستشارة [3] .

            إن الدارس لحياة الشوكاني والمطلع على مؤلفاته يقف على مبررات موضوعية حدت به إلى قبول منصب القضاء:

            أولها: أهمية هـذا المنصب في هـيكلة نظام الدولة. فهو يلي منصب الخليفة، وإليه كما قال الشوكاني :ترد الأحكام الشرعية في جميع الأقطار اليمنية [4] . كما أنه يتمتع باستقلالية تامة؛ فليس للخليفة حق التدخل في شئون القضاء والأحكام الشرعية، فلقاضي القضاة الصلاحيات الكاملة في تعيين القضاة وعزلهم [5] . [ ص: 98 ]

            ثانيها: فساد أوضاع القضاء في عصره. ذلك أن تعفن الجهاز الإداري من ناحية، ونمو طبقة طفيلية من المتفقهين في المجتمع اليمني من ناحية أخرى جعل أوضاع القضاء تسوء؛ إذ أسندت مناصبه إلى من هـو جاهل بالشرع وبوظيفة القضاء [6] .

            ثالثها: أن الشوكاني رأى في منصب قاضي القضاة فرصة أكبر لممارسة ونشر دعوته الإصلاحية وفكره التجديدي.

            رابعها: أن منصب القضاء قد يقلل من الحرب المشنونة عليه من التيارات المعادية للخط الإصلاحي التجديدي الذي تبناه.

            إن هـذه الأسـباب مجتمعة، أو بعضها على الأقل، جعلت الشوكاني يتولى منصب القضاء العام، ويقبل الاستمرار فيه نحو ثلاثة وأربعين عاما.

            ورغم استغراب بعض الباحثين إبقاء الأسرة الحاكمة على الإمام الشوكاني في هـذا المنصب منذ توليه له وحتى وفاته، وميلهم إلى تفسير ذلك تفسيرا تآمريا مفاده أن الأسرة الحاكمة في اليمن أرادت أن تستتر وراء شهرته الدينية، وأن تشغل الناس بالآراء التي ينادي بها [7] ، فإن الواقع التاريخي يشهد أن استمرار الشوكاني في القضاء طوال هـذه المدة أوجد نوعا من الاستقرار القضائي الفوقي [8] ، كما كان سببا في إصلاح جهاز القضاء [ ص: 99 ] بقدر ما كان متاحا له. إذ كان يرسل العمال والقضاة إلى أنحاء القطر اليمني يطلب منهم العدل والإنصاف [9] ، ويرشدهم إلى التدابير التي تمكن مؤسسة القضاء من أداء دورها في رفع المظالم وإقرار العدل. كما نجح في تعيين الكثير ممن يثق فـي دينه وعلمه في مناصب القضاء في مناطق مختلفة من أنحاء اليمن [10] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية