الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            معالم تجديد المنهج الفقهي (أنموذج الشوكاني)

            حليمة بوكروشة

            المطلب الخامس: مراجعة قواعد الجرح والتعديل

            يرى الإمام الشوكاني أن من الأسباب المانعة من التزام الإنصاف في الدراسات الفقهية «التقليد في علم الجرح والتعديل لمن فيه عصبية من المصنفين فيه» [1] ، والسبب في ذلك أنه كما قال: «إذا تصدى لذلك (أي للجرح والتعديل) بعض المصابين بالتقليد كان العدل عنده من يوافقه في مذهبه الذي يعتقده، والمجروح من خالفه كائنا من كان» [2] . وقد دعا الشوكاني من خفي عليه هـذا الأمر أن ينظر في مصنفات الحفاظ بعد انتشار المذاهب، وتقيد الناس بها، وكذا في كتب المؤرخين فيلاحظ بوضوح أن «الموافقة في المذهب حاملة على ترك التعرض لموجبات الجرح، وكتم الأسباب المقتضية لذلك. فإن وقع التعرض لشيء منها نادرا أكثر المصنف من التأويلات الموجبة لدفع ذلك الجارح خارجا. وإن كان الكلام على أحوال المخالفات كان الأمر بالعكس من ذلك» [3] . [ ص: 203 ] وأوضح الشوكاني أن كلامه هـذا لا يجب أن يفهم منه أنه يتهم علماء الجرح والتعديل بالكذب المتعمد، وإنما هـو أثر من آثار التقليد على العلوم والمعارف، فقال: «ولا أقول: إنهم يتعمدون الكذب ويكتمون الحـق. فهم أعـلى قدرا وأشد تورعا من ذلك، ولكن رسخ في قلوبهم حب مذاهبهم فأحسنوا الظن بأهلها، فتسبب عن ذلك ما ذكرنا، ولم يشعروا بأن هـذا الصنيع من أشد التعصب، وأقبح الظلم، بل ظنوا أن ذلك من نصرة الدين، ورفع منار المحقين، ووضع أمر المبطلين؛ غفلة منهم وتقليدا» [4] .

            من هـنا اعتبر الشوكاني من مقتضيات الإنصاف في البحث الفقهي مراجعة قواعد الجرح والتعديل بعد انتشار المذاهب واستفحال التقليد، وذلك بالتزام قواعد جديدة في عمليتي الجرح والتعديل تضمن موضوعية الحكم، قواعد ينبغي التعويل فيها -كما قال- على: «أن القادح إن كان يرجع إلى أثر يتعلق بالرواية؛ كالكذب فيها، وضعف الحفظ، والمجازفة، فهذا هـو القادح المعتبر، وإن كان يرجع إلى شيء آخر فلا اعتداد به. وإن كان المتكلم متلبسا بشيء من هـذه المذاهب فهو مقبول في جرح من يجرحه من الموافقين له، وتزكية من يزكيه من المخالفين لـه، وأما ما جاء بـما يقتضي تعديل الموافق وجرح المخالف، فهذا مما ينبغي التوقف فيه، حتى يعرف من طريـق غيره، أو يشتهر اشتهارا يقبله سامعه» [5] . [ ص: 204 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية