ما جاء في الدعوى في الكراء قلت : أرأيت إن إفريقية فاختلفنا قبل الركوب أنا وصاحب الدابة فقال : إنما أكريتك إلى برقة بمائة وقلت أنا : إنما أكريت منك إلى إفريقية بمائة ؟ قال : قال تكاريت دابة إلى : يتحالفان ويتفاسخان نقد الكراء أو لم ينقد إذا كان قبل الركوب أو ركب ركوبا دونا لا يكون فيه ضرر في رجوعهما ، وقال غيره : إذا انتقد وكان يشبه ما قال ، فالقول قوله مثل ما لو بلغا إلى مالك برقة فاختلفا فيها ; لأن النقد المقبوض فوت وصار القابض مقرا بما عليه والمكتري مدع للأكثر ألا ترى لو قال : بعتك بهذه المائة التي قبضت منك مائة إردب إلى سنة وقال المشتري بل اشتريت منك بها مائتي إردب إلى سنة وكان ما قال البائع يشبه أن القول قوله ; لأنه مقر والمشتري مدع .
قلت : أرأيت إن بلغت برقة فقال رب الدابة : اكتريتك إلى برقة بمائة درهم وقلت أنا : اكتريتني إلى إفريقية بمائة درهم .
قال : قال : إن كان قد نقد المتكاري الكراء كان القول قول المكري إذا كان يشبه قوله أن يكون كراء الناس إلى مالك برقة بمائة درهم مع يمينه .
قلت : فإن كان لا يشبه أن يكون الكراء إلى برقة بمائة درهم ويشبه أن يكون إلى إفريقية بمائة درهم ؟
قال : يتحالفان ويتفاسخان ويعطى رب الدابة قدر كرائه إلى برقة ولا يكون للمكتري أن يلزمه الكراء إلى إفريقية بعد يمين رب الدابة .
قلت : أرأيت إن كان المكتري لم ينقد ، وكان يشبه الكراء ما قال المكري والمكتري ; لأن ذلك مما يتغابن الناس فيه ؟
قال : يتحالفان ويقسم الكراء على قدر الطريق من مصر إلى إفريقية فيكون لرب الدابة ما يصيب الطريق إلى برقة ولا يلزم رب الدابة الكراء إلى إفريقية بعد أيمانهما ، وأيهما نكل كان القول قول من حلف .
قلت : وهذا قول ؟ مالك
قال : هو قوله . [ ص: 492 ] قلت : أرأيت إن اختلفنا قبل الركوب بمصر فأقمنا البينة جميعا أنا ورب الدابة أو لما بلغنا برقة اختلفنا فأقمنا البينة أنا ورب الدابة ؟ قال : البينة لأعدلهما إلا أن تتكافأ البينة في العدالة ، فإن تكافأت في العدالة قبل الركوب تحالفا وتفاسخا ; لأن قال : إذا مالكا تحالفا وانفسخ الكراء بينهما . وقال غيره : إن أقاما بينة فالبينة بينة مدعي الفضل وليس هذا من التهاتر ، وكذلك قال اختلفا في الكراء قبل الركوب ولا بينة بينهما عبد الرحمن في رجل باع من رجل سلعة فاختلفا قبل القبض فقال البائع : بعتك بمائة ، وقال المشتري : اشتريت منك بخمسين : أنهما يتحالفان ويتفاسخان إلا أن تكون لهما بينة .
فإن كانت لهما بينة قضي ببينة البائع ; لأنه مدع للفضل ولأنها زادت على بينة المشتري فمسألة الكراء تشبه قوله هذا .
قلت : أرأيت إن تكاريت دابة من مصر إلى مكة بمائة درهم فنقدته المائة أو لم أنقده ثم ركبت حتى أتيت المدينة فقال رب الدابة : إنما أكريتك إلى المدينة بمائتي درهم وقلت أنا : إنما تكاريتها إلى مكة بمائة درهم قال : إن كان المكتري قد نقده المائة درهم فالقول قول رب الدابة في المائة درهم إلى المدينة إذا كان يشبه ما قال ; لأنه ائتمنه عليها حين دفعها إليه .
قال ابن القاسم : وعلى المكتري اليمين بالله في المائة الأخرى التي ادعاها رب الدابة ، ولم أسمع من في هذه المائة الزائدة التي ادعاها رب الدابة في الكراء شيئا ولكن ذلك عندي مثل البيوع ، قال مالك : وعلى رب الدابة اليمين بالله أنه لم يكرها منه إلى مالك مكة بمائة درهم .
قلت : فإن أقاما جميعا البينة على ما ادعيا من ذلك فتكافأت البينتان ؟
قال : فهما كمن لا بينة له وإن لم تتكافأ البينتان فالقول قول أعدلهما بينة قال : نعم مثل قول في البيوع قلت : فإن كان لم ينقد الكراء حتى بلغ مالك المدينة فاختلفا كما وصفت لك ؟
قال : القول قول رب الدابة عند : أنه لم يكره إلا إلى مالك المدينة ، والقول قول المكتري في غرم الكراء فتقسم المائة على ما بين مصر إلى مكة فما أصاب ما بين مصر إلى المدينة كان ذلك لرب الدابة وما أصاب ما بين المدينة ومكة حط ذلك عن المكتري مع أيمانهما جميعا ، وإن قامت لهما البينة فبحال ما وصفت لك .
وقال غيره : وهو مثل قوله ، وذلك إذا كان ما قالا جميعا يشبه ، وإن كان ما قال المكري أشبه ولا يشبه ما قال المكتري ، فالقول قول المكري مع يمينه على دعوى المكتري . [ ص: 493 ] وقال غيره : وإن أقاما جميعا بينة أجزت بينة كل واحد منهما إذا كانت عدلة ; لأن كل واحد مدع لفضلة أقام عليها بينة فأقضي للمكري بالمائتي درهم وأقضي للمكتري بالركوب إلى مكة وليس هذا من التهاتر وسواء انتقد أو لم ينتقد إذا قامت البينة وهذا أصل قولنا ، فخذ هذا الباب ونحوه على مثل هذا .