الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أكريت دابتي أو نفسي أحمل دهنا أو طعاما فزحمني الناس فانكسرت الآنية التي فيها الدهن أو الطعام والإدام ففسد ذلك على من الضمان ؟ قال : على الذي زحمك ، وذلك أن مالكا قال في الرجلين يحملان جرتين أو غير ذلك على كل واحد منهما جرة أو غير ذلك فاصطدما في الطريق قال : إن انكسرت إحداهما وسلمت الأخرى ضمن الذي سلم للذي لم يسلم وإن انكسرتا جميعا ضمن كل واحد لصاحبه .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وكذلك الفرسان يصطدمان وعليهما راكبان فيموتان جميعا ويموت الفرسان قال : ضمان الفرسين كل واحد منهما في مال صاحبه ودية الرجلين دية كل واحد منهما على عاقلة صاحبه ، وإن مات واحد وسلم الآخر كان الفرس في مال السالم ودية الميت على عاقلة السالم منهما . قال : فقلنا لمالك فالسفينتان تحمل إحداهما على صاحبتها فتصدمها فتكسرها فتذهب ويغرق من فيها ؟

                                                                                                                                                                                      قال مالك : لا يشبهان عندي الفرسين ، وذلك أن الريح هي التي عملت ذلك ، والريح تغلب أهل السفينة أن يصرفوها أو يعدلوها فلا أرى عليه شيئا إلا أن يكون يعلم أن النوتي لو شاء أن يصرفها صرفها فإن لم يصرفها وهو قادر على ذلك ضمن . [ ص: 500 ] قلت ، فإن كان الفرس في رأسه اعتزام فحمل فارسه فصدم أيكون على فارسه شيء أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم يكون عليه ضمان ما صدم .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وذلك أني رأيت من قول مالك أن الفارس إذا جمح به فرسه إنما ذلك من شيء فعله به أما إذا أذعره أو خاف منه فجمح فسبب جمحه من قبل فارسه فهو ضامن لما أصاب إلا أن يكون الفرس إنما نفر من شيء مر به في الطريق لم يكن ذلك من سبب فارسه فلا يكون عليه ضمان .

                                                                                                                                                                                      وإن كان غيره فعل ذلك بالدابة فجمحت فإن الذي فعل ذلك بالدابة ضامن لما أصابت الدابة ، والسفينة لا يذعرها شيء ولا يذعرها من عليها ولكن الريح تغلب عليها ، فهذا الذي فرق به مالك ما بين السفينة والدواب .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية