الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      [ ص: 384 ] قلت : أرأيت لو أن قتيلا قتل عمدا وله وليان فعفا أحدهما على مال أخذه عرض أو قرض فأراد الولي الذي لم يصالح أن يدخل مع الذي صالح فيما أخذ أيكون له في قول مالك أم لا ؟ قال لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى له أن يدخل فيما أخذ إخوته من القاتل ولا سبيل له إلى القتل ، وقد ذكر غيره أنه إذا صالح في دم أبيه عن حقه بأكثر من الدية أن الذين نفوا إنما لهم حساب دية واحدة ، ومثله لو صالحهم في دم أبيه في حقه على نخل فأخذها أو جارية أو ما أشبه ذلك كان الصلح قد وقع ولم يكن له إلا ما صالح عليه في حقه - قل أو كثر - ولم يكن لمن بقي إلا على حساب الدية ولأنه لو عفا جاز عفوه عليهم فلم يجعل لمن بقي شريكا فيما أخذ المصالح .

                                                                                                                                                                                      قلت : لم قال هذا القول ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لأن الدم ليس هو مالا وإنما شركتهما فيه كشركتهما في عبد هو بينهما جميعا فإن باع أحدهما مصابته بما شاء لم يدخل عليه صاحبه ، قال سحنون ، وقال أشهب : إن عفا أحد الاثنين ولهما أخت على الدية فقال : إن كان عفا عن الدم صلحا صالح به عن الدم فهو بينهم جميعا أخماسا للابنة من ذلك الخمس وأربعة أخماس ذلك بينهما شطرين وكذلك لو صالحه عن الدم كله بأكثر من الدية وإن كان ديات ، فإن جميع ما صالح عليه بينهم على ما فسرت لك أخماسا وإن كان إنما المصالح عليه من دية أو ديتين أو ديات ليس على الدم كله ، ولكن على مصابته منه فإن للأخت وللأخ اللذين لم يصالحا ثلاثة أخماس الدية على القاتل في ماله يضم إليه ما صالح عليه الذي عفا عما صالح عليه من الدية أو أكثر منها ثم يقتسمون جميعا وذلك أخماسا على ما فسرت لك .

                                                                                                                                                                                      وكذلك إن صالح عن نفسه عن ثلثي الدية أو أكثر فإن ذلك يضم إلى ثلاثة أخماس الدية ثم يؤخذ بذلك كله القاتل ثم يقسم على ما فسرت لك ، وإن صالح على أقل من خمسي الدية لنفسه خاصة - وإن درهما واحدا - فليس له إلا ما صالح عليه من ذلك ويرجع الأخ والأخت اللذين لم يصالحا على القاتل في ماله بثلاثة أخماس الدية يقتسمان ذلك للأخ الخمسان وللأخت الخمس ، وإن صالح من الدم كله بأقل من الدية فليس له مما صالح عليه إلا خمساه ، وثلاثة أخماس ما صالح عليه ساقط عن القاتل وللأخ والأخت اللذين لم يصالحا ثلاثة أخماس الدية كاملة في مال القاتل ، وكذلك لو صالح من الدم كله على درهم واحد لم يكن له إلا خمسا الدرهم وكان للأخ والأخت ثلاثة أخماس الدية يقتسمان ذلك على الثلث والثلثين وقد أعلمتك أنه إذا صالح من حقه من الدية لنفسه خاصة إذا جاوز خمس الدية فأكثر أن ذلك يضم إلى ثلاثة أخماس الدية فيؤخذ بذلك كله القاتل ثم يقتسمونه بينهم أخماسا على ما فسرت لك . [ ص: 385 ] قلت : أرأيت إن كان للمقتول زوجة وأم أيدخلان على هؤلاء فيما صار لهم من الدية ؟ .

                                                                                                                                                                                      قال : نعم كل دم عمد أو خطأ وإن صالحوا فيه على ديات فإن ذلك موروث على كتاب الله عز وجل وفرائضه .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : قال ابن وهب ، وأشهب ، قال ذلك سليمان بن يسار وأبو الزناد ومالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ، فأما سليمان بن يسار فإن لهيعة ذكر أن خالد بن أبي عمران حدثه أنه سأل سليمان بن يسار عمن قتل رجلا عمدا فقبلت العصبة الدية أهي للعصبة خاصة أم هي ميراث بين الورثة ؟ فقال سليمان : هي ميراث بين الورثة .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الجراح إذا اجتمعت على رجل من رجال شتى أيكون له أن يصالح من شاء ويقتص ممن شاء يعفو عمن شاء ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم مثل قول مالك في القتل .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن اجتمع على قطع يدي رجال قطعوها عمدا أيكون لي أن أصالح من شئت منهم في قول مالك وأقطع يد من شئت وأعفو عمن شئت ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك في القتل : للأولياء أن يصالحوا من شاءوا ويعفوا عمن شاءوا ويقتلوا من شاءوا وكذلك الجراحات عندي مثل القتل .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن رجلا قطع يد رجل عمدا فصالحه المقطوعة يده على مال أخذه منه ثم مات من القطع بعد ذلك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : سألنا مالكا عن رجل أصاب رجلا بموضحة خطأ فصالحه عليها ثم إنه نزا فيها بعد ذلك فمات منها ؟

                                                                                                                                                                                      قال لنا مالك : أرى فيها القسامة ويستحقون العقل على عاقلته ويرجع الجاني على المال الذي دفعه فيأخذه ويبطل الصلح ويكون في العقل كرجل من قومه .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : والعمد مثل ذلك ، فكذلك مسألتك إن أحبوا أن يقسموا أقسموا وقتلوا ويبطل الصلح .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أبوا أن يقتسموا أو قال الجاني : قد عادت الجناية نفسا فردوا علي مالي واقتلوني إن أحببتم فأما مالي فليس لكم ؟

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك ، وليس له ذلك لأنهم إن لم يقسموا لم تبطل الجناية في اليد ; ألا ترى لو أن رجلا قطع يد رجل عمدا قد نزا جرحه فمات أن الورثة إن أحبوا أن يقسموا ويقتلوا فعلوا وإن أبوا كان لهم أن يقطعوا يده .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وهذا قول مالك ، فكذلك هذا الذي صالحه على جرحه لو توى المقطوعة يده بالجرح فمات فقال ورثته : لا نقسم إن جناية الجاني في قطع اليد لا تبطل ولهم المال الذي أخذوا إن لم يقسموا ، وإن أرادوا أن يقسموا ردوا المال وقتلوا .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية