الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : فإن اشترط المشتري أن يختار من هذا الحائط عشر نخلات يختارها ؟ .

                                                                                                                                                                                      قال : لا خير في ذلك عند مالك لأنه يدخله التمر بالتمر متفاضلا ، ألا ترى إذا قال الرجل للرجل : أبيعك السمراء تسعة آصع بدينار والمحمولة عشرة بدينار أيهما شئت فخذ فقد وجب لك إحداهما فلا تقربن ذلك وتفسير ذلك أنه كأنه يفسخ السمراء في المحمولة والمحمولة في السمراء ، وفيه أيضا بيع الطعام قبل استيفائه ، وإذا قال الرجل : هذا التمر خمسة عشر بدينار وهذه الحنطة عشرة بدينار فأيهما شئت فخذ فقد وجب لك إحدى البيعتين فلا تقربه ، فإن ذلك بيع قبل استيفائه وتفسير ذلك أنه ملكه بيعتين فلا يصلح له فسخ إحداهما بصاحبتها قبل أن يستوفي لأنه أوجب له الحنطة ثم فسخها ثم أخذ مكانها تمرا والتمر بالحنطة بيع مثل الحنطة بالذهب ومثلها بالورق وليست تقضي منها فلا يجوز بها مكانها إلا بيعا ببيع ويدا بيد ، وإذا خيره هكذا بين سمراء ومحمولة أيهما شاء أن يأخذ أخذ وقد وجبت له إحداهما فهو أيضا من هذا الباب بيع قبل الاستيفاء . ألا ترى أنه لما ملك إحدى البيعتين ففسخ إحداهما في صاحبتها أنه وجب له تسعة آصع من السمراء بدينار فهو يدع التسعة التي وجبت له من السمراء بعشرة آصع من المحمولة أو يدع العشرة آصع التي وجبت له من المحمولة بتسعة آصع من السمراء وهو لا يصلح له أن يشتري تسعة بعشرة وهذا شبيه بما نهي عنه من بيعتين في بيعة وهو مما نهي عنه أن يباع اثنان بواحد إذا كانا من صنف واحد .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : ومثله لا ينبغي للرجل أن يبيع من نخله عشرة أعذق ويبيع ثمرها على [ ص: 237 ] أن المبتاع يختارها في نخلة ، وذلك أن المبتاع ينقل تلك العشرة إلى غيرها وقد وجبت عليه في حال فيأخذ أقل أو أكثر .

                                                                                                                                                                                      وقد نهي عن بيع التمر بالتمر إلا مثلا بمثل وكل هذا قاله مالك وعبد العزيز إلا أن أحدهما يزيد المعنى والشيء على صاحبه ، وصاحبه كذلك ، ولو أنه اشترط المبتاع أن يختار .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : ذلك له جائز وما رأيت أحدا من أهل المعرفة يعجبه قول مالك في ذلك فلا يعجبني أيضا الذي قال مالك من ذلك في كتبه في النخل يختارها البائع وما رأيته حين كلمته في ذلك عنده حجة ولقد أوقفني فيها نحوا من أربعين ليلة ينظر فيها ثم قال لي : ما أراه إلا مثل الغنم يبيعها الرجل على أن يختار منها عشر شياه فلم يعجبني قوله لأن الغنم بعضها ببعض لا بأس بها متفاضلا يدا بيد والتمر بالتمر متفاضلا لا خير فيه فإذا وقع أجزته لما قال مالك في ذلك ، ولا أحب لأحد أن يدخل فيه ابتداء ولا يعقد فيه بيعا وهو إذا لم يشترط الخيار أجزت البيع وجعلت له من كل نخلة بقدر ما استثنى إن كانت عشرة من مائة جعلت له عشر كل نخلة على قدر طيبها ورداءتها حتى كأنه شريك معه فهذا لا بأس به

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية