الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الأجير يستأجر الرجل يرعى غنمه بأعيانها فيرعى معها غيرها قلت : أرأيت إن استأجرته يرعى غنمي هذه بأعيانها أيكون له أن يأخذ معها غنما من الناس يرعاها ؟ قال : لهذا وجوه إن كان إنما استأجره في غنم كثيرة يعلم أن مثله إنما يستأجر على كفايتها وأنه لا يقوى على أكثر منها فليس له أن يأخذ معها غيرها إلا أن يدخل معه من يرعى معه فيقوى على أكثر منها فيكون ذلك له ، وأما الذي يستأجر على الشيء اليسير من الغنم فإن له أن يضم معها غيرها إلا أن يكونوا اشترطوا عليه أن لا يرعى معها غيرها .

                                                                                                                                                                                      قال : ولقد سألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل المال القراض فيريد المقارض أن يأخذ من غيره أذلك له ؟ قال : نعم إلا أن يكون مالا كثيرا يخاف عليه إذا أدخل معه غيره لم يقو على ذلك ويخاف على ما أخذ الضيعة فليس ذلك له .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وإني لأكره للرجل أن يدفع إلى الرجل المال القراض الذي مثله لا يشتغل الرجل به عن غيره فيشترط عليه أن لا يأخذ من أحد غيره مثل المال القليل .

                                                                                                                                                                                      قلت : لم أجزت في الغنم أن يشترطوا عليه أن لا يرعى معها غيرها ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لأنهم استأجروه عليها فتلك إجارة والقراض ليس بإجارة فقد دخله اشتراط ما لا ينبغي ؟

                                                                                                                                                                                      قال لي مالك : ومن ذلك أنه يجوز للرجل أن يتكارى الرجل إلى وقت معلوم بأمر معروف يذهب له ببز إلى أفريقية وما أشبهها يبيعه ، ولو قال له تأخذ هذا المال قراضا تشتري به متاعا لي من أفريقية أو تخرج به إلى أفريقية لم يصلح ، ولم يكن فيه خير ؟ فقال لي مالك : يعطيه ذهبه ثم يقوده كما يقود البعير لا خير في ذلك ، ألا ترى أنه لو وجد تجارة دون أفريقية لم يستطع أن يشتريها فإن اشتراها ضمن وليس هكذا القراض فلا خير فيه ، وله أن ينهاه أن لا يخرج بماله الذي قارضه به إلى بلد ولا ينبغي له أن يشترط عليه أن يخرج به إلى بلد .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت هذا الأجير الذي استأجرته يرعى غنمي هذه بأعيانها أيكون له أن يرعى معها غيرها ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : إن كان استأجره على أن يرعى غنمه هذه بأعيانها [ ص: 448 ] ولم يشترط عليه أنه إن ماتت أخلف له غيرها فلا خير في هذه الإجارة إلا أن يشترط عليه أنها إن ماتت أخلف له غيرها فتكون الإجارة جائزة . قلت : أرأيت إن استأجرته يرعى لي مائة شاة وشرطت عليه أن لا يرعى معها غيرها فآجر نفسه يرعى غيرها لمن الأجرة التي آجر بها نفسه ؟ قال : لرب الغنم الذي شرط عليه أن لا يرعى معها غيرها ، وكذلك الأجير يستأجره الرجل على أن يخدمه شهرا فيؤاجر نفسه الأجير يوما أو أقل أو أكثر ، فإن الأجرة تكون للذي استأجره ; لأن خدمته كانت للذي استأجره ؟

                                                                                                                                                                                      قال : وهذا قول مالك في الأجير . وقال غيره في صاحب المائة بشاة : إن آجر نفسه يرعى غيرها فليس لرب الغنم من إجارته شيء إذا لم يدخل على صاحب المائة شاة مضرة في الرعي وأنه لم يشتغل عنها .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : فإن قال المستأجر الأول : لا أريد إجارته ، ولكن حطوا عني إجارة هذا اليوم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : أرى ذلك له إن أحب أن يأخذ إجارته تلك التي آجر بها نفسه فذلك له وإن أحب أن يحط عنه إجارة ذلك اليوم ولا يكون له من الذي أخذ الأجير شيء فذلك له .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية