الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أخذت نخلا معاملة ، على أن أبني حول النخل حائطا ، أو أزرب حول النخل زربا ، أو أخرق في النخل مجرى للعين ، أو أحفر في النخل بئرا ؟ قال : لا تجوز هذه المساقاة عند مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن وقعت المساقاة على مثل هذا ، أتجعل العامل أجيرا ، أم ترده إلى مساقاة مثله ؟ قال : أنظر في ذلك ، فإن كان إنما اشترط رب المال من ذلك شيئا ازداده بالكفاية حط عنه به مؤنته ، ولم يكن الذي اشترط رب المال قدره يسيرا ، مثل : خم العين ، وسرو الشرب ، وسد الخطار ، [ ص: 569 ] جعلته أجيرا وإن كان قدر ذلك شيئا مؤنته مثل مؤنته . هذا الذي وصفت لك أجزت المساقاة فيه ; لأن مالكا أجاز هذا الذي ذكرت لك من خم العين ونحوه ، أن يشترطه رب النخل على العامل . فرأيت أنا الذي أخبرتك به وأجزته لك مثل قول مالك في خم العين وسرو الشرب . قال : وقد أجاز مالك الدابة والغلام يشترطه العامل على رب المال ، فهذا يدلك على ما أخبرتك . قلت : وما سرو الشرب ؟ قال : تنقية ما حول النخل ، الذي يجعل حول النخلة ليستنقع الماء فيها .

                                                                                                                                                                                      قلت : وما خم العين ؟ قال : كنسها . قلت : وكذلك أخبركم مالك أن خم العين وسرو الشرب ما ذكرت لي ؟ قال : لا ، ولكن سمعته من تفسيره . قال : ولقد سألنا مالكا غير مرة ، عن الرجل يكون له الحائط ، فيهور بئرها ، وله جار له بئر . فيقول له : أنا آخذ منك نخلك مساقاة ، على أن أسوق ماء إليها أسقيها به . فقال : لا بأس بذلك . سألته عنها غير مرة ، فأجاز هذه على وجه الضرورة . قال ابن القاسم : ولولا أن مالكا أجاز هذه المسألة لكرهتها .

                                                                                                                                                                                      قلت : ولم تكرهها ، قال ; لأن الرجل لو كانت في أرضه عين له يشرب منها ، فأتاه رجل فقال له : أنا آخذ منك نخلك هذه مساقاة ، على أن أسقيها بمائي ، واصرف أنت ماءك حيث شئت ، واسق به ما شئت من مالك سوى هذا ، لم تجز عندي . فالذي أجازه مالك إنما أجازه على وجه الضرورة . قلت : ولم كرهت ما ذكرت أنه إذا قال له جاره : أنا آخذ منك نخلك معاملة ، على أن أسقيها بمائي ، وسق أنت ماءك حيث شئت ، لم كرهت هذا ؟ قال ; لأن لرب النخل فيه منفعة في النخل والأرض من الماء ; لأنها زيادة ، ازدادها رب النخل على العامل ، حين اشترط الماء من قبل العامل ، ألا ترى أنه لو اشترط على العامل دينارا واحدا زيادة يزدادها عليه لم يجز ذلك . فالماء قد يكون ثمنه مالا عظيما ، فلا يجوز أن يشترطه رب النخل على العامل ، كما لا يجوز أن يشترط فضل دينار . قلت : أرأيت إن دفع إلي نخله مساقاة ، أو زرعه مساقاة ، على أن أحفر في أرضه بئرا أسقي بها النخل أو الزرع ، أو أبني حولها حائطا ، أيجوز هذا في قول مالك ؟ قال : لا . قال سحنون : وفيما كتبت في صدر الكتاب دليل على هذا .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية