[ ص: 107 ] فصل
وكان مزدك رجلا يدعو الناس إلى ملة زراذشت الذي ذكره تقدم ، ودعواه نبوة المجوس ، وكان مزدك يلبس الصوف ويتزهد ، ويكثر الصلاة تقربا إلى العوام ، وكان هو وأصحابه يزعمون أنه من كان عنده فضل من الأموال والأمتعة والنساء فليس هو بأولى به من غيره ، وحث الناس على التأسي به في أموالهم وأهلهم ، وزعم أنه من البر الذي يرضاه الله ويثيب عليه ، فاغتنم السفلة ذلك وتابعوا مزدكا وأصحابه ، فتم للعاهر قضاء نهمته بالوصول إلى الكرائم ، فابتلي الناس بهم ، وقوي أمرهم ، حتى كانوا يدخلون على الرجل داره فيغلبون على أمواله وأهله ، وحملوا قباذ على تزيين ذلك ، وقالوا له: إنك قد أثمت فيما مضى ، وليس يطهرك من هذا إلا إباحة نسائك ، وأرادوه [ على ] أن يدفع نفسه إليهم فيذبحوه ويجعلوه قربانا للنار ، وكان قباذ من خيار ملوكهم حتى حمله مزدك على ما حمله ، فانتشرت الأطراف ، وفسدت الثغور .
وكانت أم أنوشروان يوما بين يدي قباذ ، فدخل عليه مزدك ، فلما رآها قال لقباذ : ادفعها إلي لأقضي حاجتي منها . فقال: دونكها . فوثب أنوشروان ، فجعل يسأله ويضرع إليه أن يهب له أمه إلى أن قبل رجله ، فتركها ، فبقي ذلك في نفس [ ص: 108 ] أنوشروان ، فلما رأى زرمهر ذلك خرج بمن يتابعه من الأشراف ، فقتل من المزدكية ناسا كثيرا ، ثم حرشت المزدكية قباذا على زرمهر فقتله ، وغزا قباذ الروم ، وبنى آمد ، قباذ ابنه كسرى ، وكتب إليه بذلك كتابا وختمه ، وهلك بعد أن ملك ثلاثا وأربعين سنة وملك